الهوة بين الرئاسة والمواقف المحنطة…

محطات نيوز – كريستين الحايك

“لا تقول فول قبل أن يصبح بالمكيول” مقولة تطالعنا بحق وتبقى سيّدة الموقف اللبناني إلى أن تنجلي كافة الأمور العالقة، للتعويض جزئياً وحتى اشعار آخر، عن النقص الحاد في المناعة المؤسساتية، والناتج من الشغور الرئاسي المتمادي.

نعيش اليوم حالة لا نستطيع أن نجد لها توصيفاً دقيقاً ولعل أقل ما يقال عنها “بازاراً سياسياًّ” وصل  بالبعض إلى حد الإعتقاد كي لا أقول التسليم، أنه من الممكن بمكان ما الحفاظ على مظاهر الدولة وهيبتها في ظل تغييب موقع الرئاسة الأولى… ولكن وللأسف نحن مساهمون إن بشكل أو بآخر بما نحن عليه اليوم.

يطالعنا اليوم حوار بنسخته الثالثة، أتى بحسب رأي المتحاورين نتيجة تأزم الوضع الداخلي وتصاعد التوتر والإحتقان بعد فشل الحوارين السّابقين (حوار عام 2005 والآخر عام 2008) اللذين نتج عنهما تأكيد المؤكد وإعادة طرح المشاكل التي يعاني منها المواطن اللبناني دون حلول جذرية لتلك الأزمات…

حوار 2015، وقبل الشروع في الحديث عنه، لا بد من أن نلفت النظر إلى سلسلة الحوارات التي تنعقد بين مختلف الأقطاب السياسية، ولعلّ أبرزها الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله  الذي يبقى في خانة ضبط الأمور ومنع انفلاتها بسبب الخلاف حول الكثير من القضايا الرئيسية والجوهرية، والحوار بين القوات  اللبنانية والتيار الوطني الحر الذي وصل الى حد اعلان نوايا مشتركة بعد سنوات وسنوات من العداوة والمشاكل  وبدأ العمل على عناوين مشتركة كما حصل في قانون استعادة الجنسية والموقف من الجلسة التشريعية وان بقي الخلاف قائماً حول عدد من العناوين الأساسية.

حواران كلّ منهما يعبّر عن رأي الدول الطامعة بلبنان، دون جدوى فعلية منهما لأن لبنان هذا الذين يتكلمون عنه لا يندرج ضمن أولويات المنطقة في المدى المنظور، رغم ضرورة وأهمية الحوار الاّ أنهما يبقيان في إطار ضيّق يقتصر على ضبط النفوس خوفاً من الإحتكام إلى الشارع وإنفلات الوضع إلى ما لا يُحمد عقباه… وهذا يدّل عن النقص في الوعي والثقافة لدى الشباب اللبناني الذي كان وما زال يعيش على هامش الوطنية.

قنوات أخرى مفتوحة على أكثر من جبهة ومن أكثر من جهة وحتى كتابة هذه السطور تبقى حوارات وهمية لم تسفر عن إنفراجات جليّة… نجرع اليوم كأس الفشل الذريع الذي بات يتفشّى في أحلامنا وآمالنا التي لطالما حلمنا وقبلنا ان نحافظ على لبنان بالثالوث المتساوي الأضلاع، (رئيس للجمهورية، جيش، وأرض)، لإصلاح الواقع اللبناني وتحقيق الاستقرار فيه وحمايته.

في 24 آيار 2014 انتهت ولاية الرئيس الثاني عشر للجمهورية اللبنانية ودخل  لبنان في “الشغورالرئاسي”، الذي لا يمكن لأحد أن يتكهّن بكيفية الخروج منه أوعن طول المرحلة القائمة والنتائج التي قد تنتج عنها. رغم ذلك، علينا ان لاننسى تعطيل مؤسسات الدولة، وتغييب للحياة السياسية، المواجهات والإحتقانات، لاسيّما الطائفية التي كنا نعاني منها، ومازلنا. فإزدادت حدّة في غيابه، الذي يجب على المعنيين انتخابه في أسرع وقت ممكن، ليمارس دوره كاملاً في التوجيه، وضبط المؤسسات الدستورية، والسهر على احترام الدستور، وصون الوحدة الوطنية والاستقلال.

كما وعلينا أيضاً ان لا ننسى في هذا الغياب، كيف تفاقمت حالات الفساد والفقر والتهميش والبطالة التي دفعت بالبعض من الشباب اللبناني إلى خيار من إثنين: إماّ الإنضواء في صفوف الحركات الإرهابية، او ركوب عباب الموج والهجرة الى المجهول، للحفاظ على ما تبقى من كرامتهم، وليزداد الأمر تعقيداً برزت أزمة النفايات التي تدور حول نفسها ، ويدفع المواطن في كثير من الأحيان فاتورتها الصحية، وتتقاسم معه الطبيعة والبيئة نسبة منها أيضاً، فيما الدولة بوزاراتها ومؤسساتها المعنية تقف متفرجة، أو حتى عاجزة عن إيجاد حلول جذرية لها، فليس من حرج أن يقفل مكب هنا، أو لا يكتمل مشروع مخمر للنفايات هناك، وحتى المطامر فاضت بأماكنها ولم تعد تستوعب، شأنها شأن المكبات العشوائية والمتنقلة…، وأزمة الكهرباء والمياه، وغير ذلك…

أزمات متراكمة ومصادفات متوقعة وآمال عريضة متخيلة، ولدّتها الحسابات الشخصية والكيدية والمصلحية.. إستدعت حواراً وطنياً كما يصفه البعض دون شيئ يذكر عوّل عليه اللبنانيون كملاذ أخير لمعالجة قضاياهم ووضع حد نهائي لمشاكلهم، حيث لم ينتج سوى إستمرار في إنقسام الآراء والتحالفات حول الموضوع الرئاسي الأمر الذي بات يهدّد إستقرار البلاد.

لقد شبعنا من تلك الديمقراطية القاصرة ومن جلسات الحوار المعلنة والمستورة ومن المناقشات التي تكون تارة هادئة وتارة غير ذلك. اليس الحوار هو دعوة لإرساء القواعد الوطنية الأساسية المبنية على التواصل مع الآخر، وتواصل المجموع مع الغير من جهة، ومع ثوابت الوطن ومقومات شخصيته وتمايزه وقيمه، من جهة أخرى. اليس من المفروض أن يضع المحاور يده بيد الآخر الشريك له في المعترك الوطني والإنساني والمصيري لإنتخاب رئيس…

لا لوم عليهم، لأن من كان في حرب مع نفسه، وشعبه، لا يمكن أن ينجح مع الآخرين…

وأخيراً وليس آخراً، علينا أن نعترف بأن حوارهم غير شرعي بحسب الدستور اللبناني الذي من المفترض أنه يسمو على كافة القوانين وتحديداً في المادة 73 التي تنص على ما يلي “:قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدة شهر على الأقل او شهرين على الأكثر يلتئم المجلس بناء على دعوة من رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد. واذا لم يدع المجلس لهذا الغرض فانه يجتمع حكما في اليوم العاشر الذي يسبق اجل انتهاء ولاية الرئيس…”

اما المادة 74 منه :”إذا خلت سدّة الرئاسة بسبب وفاة الرئيس أو إستقالته أو سبب آخر، على المجلس النيابي أن يجتمع فوراً وفق القانون لإنتخاب رئيس جديد.

 لذلك وسنداً إلى المواد المذكورة أعلاه فإن الحوار القائم اليوم رغم ضرورته يبقى قاصراً وغير شرعي لمخالفته الصريحة للدستور اللبناني.

إذا كان أسمى القوانين يُنتهك  بسهولة من قبل من إئتمنوا على الحفاظ عليه دون حسيب ولا رقيب ماذا ننتظر بعد؟

أما بعد فلقد وصلنا إلى مرحلة متقدمة من الحصاد، بثمرة منتهية الصلاحية تفوح منها رائحة نتنة وهي ثمن إيماننا بمن يمثلنا، فمنهم يبحث عن السّبل التي تتيح له تحقيق مصالحه الخاصّة على حساب شعب بأكمله…

لا ننسى أن حلقة الدوران تحت ستار المصالح والحاجات اللبنانية الملحّة رسمت صورة قاتمة للوضع الداخلي الذي لم تكن قد تبلورت ملامحه بعد حدث، لم يكن متوقعاً، إجتماعاً باريسيًّا بين كلٍّ من رئيس تيار المستقبل الرئيس سعد الحريري الداعم الأول لترشيح رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع ورئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية الداعم لترشيح العماد ميشال عون كان كفيلاً بإشعال النفوس وخلق نوع من التخبّط في صفوف كل من 8 و14 آذار حول ماهية الإجتماع وأبعاده…

هرج ومرج سياسي طويل إستغرق عاماً ونصف العام، إلى حد بات يهدّد الإستقرار الداخلي، فالإجتماع الباريسي فرض تسوية رئاسية، حازت إجماعاً لدى غالبية الأقطاب السياسية حول ترشيح النائب سليمان فرنجية وبإيعاز من رئيس المجلس النيابي الأستاذ نبيه بري وبمباركة الفاتيكان وبكركي رغم إستمرار الخلاف وسط كرّ وفرّ ثلاث وثلاثين جلسة فاشلة لإنتخاب رئيس للجمهورية …

ها هو عام آخر ينقضي دون أن يتحقق فيه حلم اللبناني الأول بإنتخاب رئيس للجمهورية أو حتى بترحيل النفايات التي تملأ شوارعنا منذ أشهر عدّة، فكل عام وأنتم ولبنان بألف خير… على أمل أن يحمل العام الجديد، مد لحبل رفيع، يمسك به الجميع لتفادي الغرق، في انتظار النجدة الاقليمية والدولية.

ختاماً ورغم كل ذلك سنقول للمتربصين بلبنان، ومايملكونه من خدع وفنون وأساليب إرهابية، ومايحوكون من مؤمرات ومخططات عدوانية لتفتيته… سنبقى صنّاع حياة، وتحديث أدوات التفكير وأساليب التعبير، لتجاوز أوضاع الاهتراء الحاضر والعمل في اتجاه التكامل كمطلب أولي لمواجهة التحديات والتغلب عليها للحفاظ على الجمهورية اللبنانية، لا نعيها…

اضف رد

إضغط هنا

أحدث المقالات