النرجيلة ظاهرة تغزو الأوساط الاجتماعية والمهنية ولا تعرف الحياء…

محطات نيوز – كتبت سوسن بركة

عشاقها يدّعون أنها أقل ضرراً من التدخين المتفق على مضاره في جميع أنحاء العالم

في زمن جميل مضى كانت بيروت تضم عدداً كبيراً من المقاهي الحديثة والشعبية الموزعة في الاحياء القديمة او على الواجهة البحرية، حيث كانت تشكل منفذاً لسكان العاصمة والسياح لما تحتويه من وسائل ترفيه تبعد المواطن ولو لوقت قصير عن هموم الحياة السياسية والاقتصادية التي يعيشها يومياً.

وكانت المقاهي في بيروت تشتهر بالسلعة المفضلة لدى اللبنانيين، ألا وهي «الاركيلة» التي كانت تقدم على أصولها. ومن أشهر هذه المقاهي التي أغلقت أبوابها عام 2011 هي «قهوة القزاز» أو الزجاج في الجميزة، وكان قد مضى على تأسيسها 90 عاماً، صمدت في وجه الحروب لكنها لم تستطع الصمود أمام الرأسماليين.

أما المقاهي التي لا تزال حتى اليوم: قهوة «دوغان» عند منطقة النويري و«ابو علي الصيداني» خلف الجامعة العربية و«صليبا» في بربور. هذه المقاهي كان روادها من الجيل القديم وهي لا تروق لجيل اليوم، وأشهر ما تقدمه هو النرجيلة بالتنباك والدبس بالاضافة الى القهوة والشاي.

يقال ان أصل الاركيلة فارسي من بلاد فارس أو أنها من بلاد الهند، ولكن الأكثر ترجيحاً من الهند، وكانت تصنع من ثمار ولحاء جوز الهند، من أجل تدخين نبات القنّب الذي كان يدخنه الهنود في وقت بعيد، وقد انتقلت إلى شبة الجزيرة العربية من خلال خطوط التجارة المفتوحة مع الهند، ولكن يعد انتشار الأرجيلة الواسع مرتبطاً بالدولة العثمانية التي حكمت المنطفة العربية لوقت طويل، والتي كانت مرتبطة بعلاقات قوية مع الدول الأوروبية بحكم موقعها الجغرافي. وهذا ما جعل الأرجيلة تدخل إلى دول القارة الأروبية ومن ثم إلى الأميركيتين بسبب الهجرات والعلاقات مع أروبا.

أما مسمى أرجيلة، فهو لفظ محرّف عن كلمة النراجيل الفارسية والتي تعني ثمار جوز الهند، ففي الواقع كانت تصنع في إحداث ثقبين في ثمار جوز الهند أحدهما لدخول الدخان والآخر لخروجة من خلال أنابيب تثبت في هذه الفتحات، وهذا ما يفسر تسمية الجوزة المأخودة من جوز الهند، والمنتشرة في مصر، والتي تعد شكل من أشكال الأرجيلة، ويقال أن ارتفاع سعر الجوز وصعوبة الحصول عليه هو ما دفع الناس لاستبدلها بالمعدن أو الزجاج.

ويطلق البعض مسمى الشيشة على الأرجيلة، وهو أيضاً لفظ فارسي ويعني الزجاج، كناية عن القارورة الزجاجية التي وضعت بدلاً من ثمرة جوز الهند في تصنيع الأرجيلة، والجدير بالذكر هنا أن الناس يتفنون في تزين وزخرفة الأركيلة، ويعدونها قطعة مميزة من الأدوات المنزيلة، كما أنهم يتفنون في تصنيع مادة الدخان أو المعسل الموضوع فيها في نكهات وأصناف مميزة.

إن تحضير الأرجيلة وكيفية عملها معروفاً ومفاده مرور الدخان القادم من أحد أطراف الأرجيلة والناتج عن وضع الفحم على مادة الدخان (المعسل، التنباك) فوق الماء الموضوع في قارورة الأرجيلة، ليخرج بفعل قوة السحب التي يقوم بها المدخن على الطرف الآخر من الأرجيلة، مصدراً صوتاً لفقاعات الهواء داخل قارورة الماء، وهو أحد أسباب حب الأرجيلة والاستمتاع بها، وتبعاً لهذه الآلية، فقد اعتقد الناس الشعبيين ولفترة طويلة، أن الأرجيلة غير مضرة بالصحة كالدخان، لأن الماء يغسل المواد السامة من الدخان، ولكن في الواقع هذا كلام مغلوط، فمضار الدخان لن تقل بمجرد مروره فوق الماء.

النرجيلة أو الشيشة كما يسميها البعض، كانت منتشرة في زمن الماضي الجميل ومتلازمة مجالس وجهاء المدن، الى زميلتها طاولة النرد حين كانت تطول جلسات الاسترخاء. وهذا لم يكن متاحاً لمن يقضي معظم وقته في عمل مرهق. وفي القرى كانت ظاهرة النارجيلة نادرة تقتصر على منازل بعض وجهاء القرى.

أما اليوم فأصبحت النرجيلة ظاهرة تغزو الأوساط الاجتماعية والمهنية كلها. فهي على عكس ما كانت عليه في الماضي القريب حيث أصبحت ظاهرة متفشية تهدد حياة الأجيال الجديدة وقد أضحت أمراً خطيراً خاصة لدى المراهقين الذين لا تتجاوز أعمارهم الثانية عشرة. فترى أولاداً تحت السن القانوني “يؤركلون” أمام أعين الجميع! بحيث لم تعد تخلو أي زاوية منها.

إلا ان انتشارها في الآونة الأخيرة بين الأحياء السكنية وبكثافة في المدن، بات أمراً ملفتاً مما يستدعي معه التوقف والتمعن… فهناك 3500 حالة وفاة تسجل في لبنان بسبب التدخين وانتشار النرجيلة وتحولها الى موضة. فهذا النمط من الحياة بات يغزو مجتمعنا بكل طبقاته وفئاته العمرية، إذ يدّعي عشاق النرجيلة أنها أقل ضرراً من التدخين المعتاد والمتفق على مضاره في جميع أنحاء العالم. ويعلل مدمنو النرجيلة عشقهم لها بعدم إمكانية حملها في جيب مدخنها مما يحول دون إمكانية تدخينها باستمرار مثل السجائر المتاحة دائماً، كما يدعون ان المياه تساهم في تنظيف الدخان من النيكوتين، وهناك  انطباع لدى فئة من الناس ان النرجيلة هي أقل ضرراً على الصحة من السيجارة.

أسفي على جيلٍ يشرب السمّ وهو فرح ولا يدري مدى مخاطره، وهنا علينا أن نقوم بحملة توعية كبيرة على شاشة التلفزة وفي الطرقات وفي جميع وسائل التواصل الالكترونية لمحاربة هذه الظاهرة المميتة والخطيرة التي تغزو مجتمعاتنا العربية قبل فوات الأوان.

اضف رد

إضغط هنا

أحدث المقالات