محطات نيوز- في وقت ما وزمنٍ ما ومن خارج الكرة الارضية وفي ليلة مشهودة وغير مسبوقة شهدت واشنطن عاصمة الولايات المتحدة الاميركية مظاهرات غير اعتيادية بدت وللوهلة الاولى وكأنها تحدث في احدى شوارع دولة من دول العالم الثالث..
ولوهلة وجيزة احسسنا ان علماء الفلك وعلى رأسه المنجمين والعرافين قد ايقظوا الثعابين من الجرار.. ونظروا من ثقب مفتاح باب الارض الى الكواكب الاخرى ليسدلوا ستارة النهاية على المشهد الاخير من مسرحية الافول…
افول نجم ترامب الذي اعتاد ان يسوس الارض ويسودها بغِيه ويعاقب !!وينهي!! ويأمر… وينتقد تصرفات الدول الاخرى مع شعوبها ومع انظمتها وقوانينها لكن في ليلة ليلاء انقلب السحر على الساحر وارتفع العلم الاميركي في ايدي متظاهرين يؤيدوه يقتحمون مبنى الكونغرس الاميركي في مشهدٍ ليلي أشارَ الى ان الحدث هو في الدولة العظمى المتربعة على عرش قيادة العالم، وهي التي تتغنى بتصدير الديمقراطية واحترام نتائج الانتخابات والقوانين… في لحظة غير محسوبة ظهر الكاوبوي الاميركي على حقيقته، واقتحم الالاف من انصار الرئيس الاميركي ترامب الحواجز الامنية لمبنى الكونغرس، واشتبكوا مع عناصر الشرطة داخل المبنى قبل ان ينجح بعضاً منهم في الدخول الى قاعة مجلس الشيوخ واحتلالها ، وقد تزامن هذا الخرق الامني (والمخطط بشكل مسبق من رئيس اكبر دولة في العالم) مع انعقاد جلسة لمجلس النواب ومجلس الشيوخ الاميركي للمصادقة على نتائج الانتخابات وعلى فوز بايدن الحتمي في رئاسة الجمهورية الاميركية…
ووفقا لوسائل اعلام اميركية فأن جماعة اميركية يطلق عليها اسم من يقودها براود بويز
هي من قادت المتظاهرين لاقتحام مبنى الكونغرس حيث استغلت هذه الجماعة كلام ترامب في خطابه امامهم واتخذته شعارا لها حيث انه وجههم بشعارات رنانة قضت بوجوب التوجه الى مبنى الكونغرس للتعبير عن غضبهم بشأن نتائج الانتخابات وايضا من اجل الضغط على اعضاء في الكونغرس لرفض النتائج..
ولقد ضاعفت هذه الكلمات من مخاوف الاميركين الذين اعتبروه امر عمليات من الرئيس لاقتحام المبنى، هذا وكان قد زحف عناصر الجماعة نحو العاصمة واشنطن قبل ليلة من ليلة التظاهرات في مشهد لم تشهده الولايات المتحدة الاميركية منذ اكثر من 200 عام..
ولنكن على اطلاع سأعرض بعض المعلومات عن هم جماعة براود بويز نشأت هذه الجماعة في عام 2016 وهي تعتنق العنصرية ضد من هم من ذوي البشرة الداكنة….
وهم يمجدون العرق الابيض ويتخذون من الفاشية الجديدة مُعتقد ومُعتنق لهم وهم يَعتَبرون كل المهاجرين واهل اليسار وغير ذوي البشرة البضاء من الد اعدائهم ويتخذ كل المنضوين تحت لواء هذه الجماعة من العنف السياسي ونمط الكراهية نهجا وخطاً لهم في مواجهة خصومهم ، وقد تركوا بصماتهم في معظم الشوارع الاميركية حوادثا واحداث ومشاكل…
وكانت ادارات بعض وسائل التواصل الاجتماعي قد حظرت سابقا مشاركاتهم على هذه الوسائل و حظرت ايضا بعض حسابات حركتهم مرارا ومرارا… وقد نشأت هذه الجماعة وترعرعت في حمى ترامب وهم يؤيدونه بشكل جنوني ويعتبرونه المدافع الاول عن معتقداتهم وافكارهم وشعاراتهم التي توجه حركتهم دائما بشعار العودة الى اميركا العظمى وتدعو ايضا الى اغلاق الحدود والى السماح بحمل السلاح وكان يرددون مقولة عن القيادة وهي《ان ريادة الاعمال هي من نصيب الرجال اما المرأة فدورها في المنزل والملاحظ وحسب الكثير من المصادر المطلعة والمختصة بالشؤون الاميركية ان معظم عناصر هذه الجماعة هم سجناء او في سجلهم قضايا عنف وجنح، وجنايات؛ الا ان هذه العناصر اندمجت بشكل كبير مع جماعات يمينية متطرفة تتشابه معها في مضمون التوجهات ولكن هناك شيء ملفت ومغاير لهذا المضمون والتأسيس لهذه المجموعة.. ويبقى سؤالاً محيراً دون جواب؟؟ وهو كيف يترأس المجموعة الان من هو كوبي الاصل وهدف المجموعة صد المهاجرين..؟؟
وبالعودة الى الليلة المشهودة فقد ظهرت مشاهد مصورة لهم وهم يقومون بتكسير وتحطيم الموجودات داخل مبنى الكونغرس وحتى انهم قاموا بالاشتباك مع عناصر الشرطة كما ذكرت سابقا وقد تم اغلاق مبنى الكابيتول والاعضاء بداخله…
وفي المحصلة وبالتحليل نقف على بعض المعطيات:
الموقف في اميركا اليوم هو ان – النظام الديمقراطي فيها نجح في افشال التمرد والانقلاب على نتائج الانتخابات وهكذا يمكن القول ان دستور الامبراطورية الاميركية وادواتها وضماناتها القانونية التي صممت خصيصا لمثل هذه الازمات السياسية والشعبية نجح لان السلطة التنفيذية رفضت رغبة ترامب ولم تستجب له..
والقضاء الاميركي لم يتماهى مع رغبة الرئيس..
والاجهزة الامنية لم تلتزم قرارات ترامب العصبية رغم انه القائد الاعلى للقوات المسلحة…
وبعد هذا الوصف الواقعي للوضع الاميركي الحالي يتضح لنا ان الوضع في الولايات المتحدة الاميركية وبعد غزوة الكونغرس هو ازمة سياسية لم تشهدها الحياة الاميركية السياسية والاجتماعية في تاريخها بَيد ان من سيتحمل تبعات نتائج وتداعيات هذا الواقع المستجد:
هو الحزب الجمهوري حيث انه يتعرض لحملات سياسية واعلامية لدفعه للاختيار بين خيارين اثنين:
– اما ان ينتصر لتاريخه..
-واما ان يصبح حزباً لترامب
وعلى ما يبدو وازاء الضغط الرهيب الذي تأدى من نتيجة ما حصل ان كل المؤيدين لترامب في الحزب الجمهوري قد تراجعوا عن تأييده وارتَدّت تداعيات اقتحام الكونغرس على ترامب وِبالاً مشؤوماً كون خِطته التي كانت تهدف من محاولة التمرد الانقلاب على الدستور الاميركي ليعود هو رئيسا… وليصار الى الغاء نتائج الانتخابات العامة… وعلى العكس ادت الى نتائج عكسية حيث اثرت سلبا على تمثيل الحزب الجمهوري في الكونغرس فرسب عضوي الحزب الجمهوري ونجح بدلا منهما عضوي الحزب الديمقراطي في ولاية جورجيا بعد تسريب المكالمة الهاتفية التي اجراها ترامب مع وزير خارجية الولاية…
وهكذا اصبح الديمقراطيون يحوزون الاغلبية في الكونغرس وفي مجلس النواب اصلا… وينقسم المجتمع الاميركي حول ما حدث وقد اختلفت الاراء حول تسمية ما حصل: فمنهم من يطلق عليها محاولة انقلاب فاشلة…
وبينهم من يقول انها حركة اعتراضية إستعراضية لترامب كان يريد من خلالها الضغط على الحزب الجمهوري من اجل استمرار دعمه لصالح ترامب ….
اما وبعيدا عن البحث في جنس الملائكة نرى ان السؤال الكبير الذي يفرض نفسه بقوة انه كيف تخطى المتظاهرين بسهولة الحواجز الامنية؟ وكيف استطاعوا الدخول الى المبنى وتحديدا الى قاعة التصويت؟
وماذا ولو استطاعوا احراق المبنى؟ وماذا ولو قُتل احد اعضاء الكونغرس وماذا؟؟ وماذا؟؟…
انها اسئلة كبيرة وكثيرة خاصة عندما نرى ان بعض العناصر الامنية في مبنى الكابيتول قد التقط صوراً بطريقة السلفي مع المتظاهرين مما يدل على ان هناك عناصر سهلت دخول المحتجين والمتظاهرين الى داخل المبنى في ظاهرة خطيرة لاختراقهم اهم مبنى دستوري في الولايات الاميركية وهنا تدخل المقارنة:
العنصرية تسيطر !!
كيف لهذه القوى الامنية ان تضرب بيد من حديد بمواجهة مظاهرات المهاجرين وذوي البشرة الداكنة وقَتلهم احدهم وبالمقابل تتساهل هذه القوى مع مظاهرات الاشخاص البيض (اذا صح التعبير) مما يجعلنا نتسائل هل هناك انقسام في الشرطة؟ او داخل الجيش الاميركي؟
او ماهو تأثير الانقسام داخل الحزب الجمهوري على المجتمع الاميركي؟؟؟
وبعد كل هذه المماحكات والتساؤلات..
يرحل ترامب بعد فترة صغيرة حاملاً معه إرث لم يُسجَّل لأي سلفٍ له في رئاسة الولايات المتحدة، حيث صدر قرارين بحقه من مجلس النواب بهدف محاكمته خلال متن ولايته..
وما سيحدث في متن محاكمته في مجلس الشيوخ بتهمة التحريض على التمرد والتسبب بمقتل عدد من الامنيين والمدنيين في موقعة اقتحام الكونغرس، لم يعد له اهمية ابدا.. لأنه رسب في الامتحان الشعبي والسياسي باستخدامه مجموعات متطرفة لتقويض اهم معاقل الديمقراطية في اميركا..
وسقط بالضربة القاضية سياسياً بمجموع اصوات الحزب الديمقراطي وبعض اصوات الجمهوريين من حزبه، حيث ساهمت حركته هذه بتحوِيل محيط الكونغرس الى بقعة من بقع العالم الثالث الذي كان ينتقده دائما ويتحشد فيه اكثر من عشرة ألاف جندي اميركي مع اسلاك شائكة احاطت به، ووُزرعت الأجهزة العسكرية والامنية في المطارات، تمهيداً لاحتفال تنصيب جو بايدن الرئيس المنتخب في 20 كانون الثاني الجاري… بينما ترامب ومن تبقى من فريقه و عائلته باشروا بحزم أمتعتهم لترك البيت الأبيض باتجاه مهجعهم الجديد.
وفي الوقت الذي يصر فيه الرئيس المنتخب جو بايدن على إعادة ترميم ما دمرته سياسات ترامب الخارجية، يترافق ذلك مع احداث مهمة تحصل في الشرق الأوسط الذي يمثل الملعب الاستراتيجي الاهم لاميركا…
الحدث الاول
عناد ايران وصلابتها وصبرها وقدرتها على شبك الخيوط الاستراتيجية والتكتية في منطقة الشرق الاوسط مع إطلالة المرشد في إيران السيد علي خامنئي، الذي أكد فيها أن لا مساس بالقدرات الصاروخية التي تحمي بلاده.
الحدث الثاني
هو مشاركة السعودية في مناورات مع القاذفات الأميركية في منطقة الخليج..
مع نقل اسرائيل الى مسؤولية القيادة المركزية الاميركية بدلا من الاوروبية وذلك لدمجها بشكل اكبر في استراتيجية واشنطن..
الحدث الثالث:
ابلاغ اميركا (بايدن)
لمسؤولين اسرائيليين ان الولايات المتحدة الاميركية عادت وستعود اكثر فأكثر لنقاش ايران في الاتفاق النووي…
وعلى مدى أربع سنوات انتهت (وحتى الان على الاقل) الظاهرة الترامبية وإطلالاتها المستفزة على العالم بشكل عام ودول اميركا الجنوبية وكوريا الشمالية وأوروبا وصولاً الى الشرق الأوسط بشكل خاص والعقوبات الاقتصادية التي انتهجتها على معظم الدول التي لا تتوافق مع استراتيجيتها..
وهكذا سينكفىء بونانزا عن بقعة الروع الدولية، وعن الامبراطوريةالاميركية التي أرادها متطرفة، ولو على جثث كل خليقة الارض..
وهي بفضله اضحت كما قال خلَفه الديمقراطي جو بايدن دولة وحيدة، مع إرثٍ داخلي مُثقل بالأزمات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية والامنية (حتى) ولن ننسى الصحية لولاياتٍ باتت تعتبر نفسها في دولة غير منسجمة مع نفسها ومع شعبها معرضة لمشكلاتِ ألاعراق وألالوانِ والجنسياتِ المختلفة ولعل ما فعله ترامب، أنه وضع تاريخ بلاده امام العالم على المحك.. وأعادنا بالذاكرة الى ان المجتمع الاميركي هو مجتمع الاجزاء وكل جزء يعتبر نفسه الامبراطورية.
وما أنجزه أبراهام لنكولن من عدالة اجتماعية، تعطي ذوي البشرة الداكنة حقوق ما أطلق عليه ترامب بسنواته الاربع الاخيرة طلقة الرحمة الاخيرة، وانههاها..
وغابت تللك الكاريزما الأميركية وباتت وكأنها دولة من دول العالم الثالث، وسقط حاكم العالم في البيت الأبيض عن صهوة الغرور..
عن صهوة ريادة العالم وسقط ما يُسمى العالم الاحادي القطبية.
واصبح السؤال اليوم هل ما حدث في تلك الليلة الظلماء من حياة اميركا حيث افتقد الاميركين فيها الى بدر الهيبة التي لطالما تمتعوا بها مع العلم انه:
وحتى لا نُفرِط كثيرا بالتفاؤل اننا لم نرى انتهاكا للديمقراطية فيما حدث وهذا فقط لاعطاء كل ذي حق حقه.. لكننا ننتقد على قاعدة كما تراني يا جميل اراك… السؤال اضحى هو: هل ما جرى هو حدث عابر ام سيترك ندبة قوية على الجسد القانوني والسياسي في المجتمع الاميركي…؟؟؟
حيث وكما هو ظاهر ان المجتمع الاميركي منقسم على نفسه بين مؤيد لما حصل وبين معارض له..!!!
ولن ننسى ان ترامب قد حصد (وهو الخاسر) في الانتخابات 72000,000 صوت وقد كان متوقعا ان يكون السيناريو في الشارع اكثر سؤاً ولكن وبغض النظر عن تدني شعبيتة وضمور طموحاته…
فما قبل الانتخابات وما تلاها من تداعيات ليس كما بعدها..
وجه اميركا قد تغير …
ولم تعد اميركا تلك الامبراطورية ذات السطوة والحظوة.. فخروج ترامب من سدة رئاستها سيترك بصمة دامية على شكل جرحٍ في السياسة الاميركية وخاصة في الوضع الداخلي للمجتمع الاميركي فهو حتما جرح لن يَلتئم.. وسيبقى ترامب هو ترامب
الذي اعتاد فيما مضى على ادارة كبريات مباريات المصارعة على طريقة رابح رابح .. وهو لا يهتم بطريقة الربح فليس مهم كيف ؟ انما المهم ان يربح …!! وترامب اليوم امام قرار من قرارين لا ثالث لهما:
– اما تثبيت رجليه في السياسة الاميركية عبر انشائه لحزبٍ خاص يخوض به انتخابات 2024.
– او ان يخرج الى مباريات في المصارعة السياسية تصلح لسياسته وهي ايضا تُخرجه ولا تُحرجه…
لننتظر العشرين من كانون الثاني ونشهد المشهد القادم على اميركا وعلى العالم والذي يُنبئ بِحدوث الكثير من المفاجأت.. ففي القادم من الايام حتما مسار ومصير …