محطات نيوز – المقهى بالتعريف السياحي، كما ورد في المرسوم 15598 تاريخ 21 ايلول 1970، المتعلق بتحديد الشروط العامة لإنشاء واستثمار المؤسسات السياحية، هو:
مؤسسة سياحية مخصصة لإستقبال الزبائن وتقديم مأكولات خفيفة وبسيطة ومشروبات. ويجوز لها تقديم المشروبات الروحية شرط خضوعها للقوانين النافذة. هذا في التعريف القانوني، أما في المفهوم العام، فالمقهى مكان للمواعيد واللقاءات العفوية وفسحة للراحة.
كما ويعرف ان هناك مقاهٍ تتميّز عن غيرها في العالم، بأنها شهدت انطلاقة حركات فلسفية فكرية، وسياسية؛ فالمقاهي بالمجمل العام تمثّل جزءاً من تاريخ البلدان التي توجد فيها.
كثيرون يقولون أن المقهى القديم قد أصبح جزءا من تاريخنا، وهو مايزال حالة ادمان عند البعض، حيث تفوح منه رائحة تشبه رائحة الزّمن الجميل، من سحب دخان الأركيلة والنفخ في الهواء، كما يفعل الكثير من رواد المقهى وكأنها الطريقة المثلى لنفخ شيء من القهر والقلق اللذين تعمل بهما قلوبهم هذه الأيام.
زيارتنا لمقهى الحج عليوان في منطقة البسطة في بيروت الذي يلقى شعبية كبيرة، الأمر الذي جعلنا نعتقد للوهلة الأولى ان رونق المكان وأناقته ربما تكونان وراء هذا الاقبال، لنكتشف مدى بساطته وتواضعه. فكراسيه الخشب بقش الخيزران، وطاولاته بالرداء الأخضر التقليدي، مستديرة او مربعة الشكل، والكل يلعب الورق، بينما يطغى صوت حجر النرد على أي صوت آخر، لكن لن يجدي ذلك نفعاً. طالما أن الأحاديث الطويلة والنقاشات الهامة هي ذات طابع جريء، إضافة إلى حوارات بنّاءة يقدمون من خلالها اقتراحاتهم للخروج من الأزمة، والكثيرون كانوا يخرجون من المقهى باقتناعات مختلفة، بالمقارنة البسيطة مع جلسات الحوار الوطني التي عمل على إقامتها اللبنانيون، في الفترة القريبة الماضية، وبين الحوارات التي تجري في المقهى، من حيث العفوية والصدقية وطريقة الطرح والمناقشة.
رواده رجال بأبهى حللهم يبحثون عن فسحة تنأى بهم، ليتنفسوا من دون رقابة، ويستمعوا الى آراء بعضهم من دون تكلف، ويعبّروا عن رأيهم مع من وجد من الأصدقاء، فيتحررون من عبء الواجب الرسمي التقليدي.
أبو عصام يعمل في المقهى كنادل منذ عقدين، تعرّف على المكان ومازال كما هو، يقدم الشاي للزبائن، يلعب الورق مع الرواد وحيث تدعو الحاجة، يتمتّع بأركيلته وبدخانها العجمي يومياً بعد الظهر، حيث يعتبر ان المقهى منزله الثاني، الذي حفظ كلّ زاوية فيه، واعتاد عليه.
لا تستطيع أن تعرف عمر أبو عصام، فهو بالرغم من شيبته، يشعرك أنّه أصغر منك سناً، لأنه في نشاط دائم، يتنقل بين الطاولات ببهجة وسرور، قائلاً إن مجمل ما يدور في المقهى ما هو إلا الحوار الحقيقي الذي يريده الشارع، ولن تجد حواراً شفافاً أو صريحاً وتلقائياً في مكان آخر.
أما أبو سمير، صاحب القبّعة العثمانية وربطة العنق الرفيعة، الزبون الملتزم في الوقت وفي الطلبات عند ابو عصام، بتناوله نفس العجمي الذي اعتاد عليه ويتبارى مع غيره في لعب الورق وطاولة النرد؛ فلم يقصر يوماً في ارتياده مقهى الحج عليوان، حتى في أصعب الأوقات.
في الحرب كان المقهى ملجأ الرجال الوحيد، والمخفف للهموم. وبقي على ماهو عليه، إلا أنّ تتطور الحياة في عصرنا الحالي اختلف فمع انتشار وسائل الترفيه اضحى دور المقهى اقل اهمية بكثير وخضع لنقلة نوعية كونه كان وسيلة لبناء الثقافة وفي وقت تشتت فيه الأفكار ليصبح وسيلة لتضييع الوقت وفي سماع روائع الطرب العربي لتبقى الأغنية الملتزمة تحتل الصدارة في اغلب المقاهي الشعبية.
ان بيت القصيد لا يزال يعكس بصدق عمق التراث الشعبي للمقهى وطقوسه، حيث يكون واحة للعابرين، وتسلية للمهمومين. ويبقى من أجمل المنتديات ليس في بيروت فقط، بل في شتى المدن اللبنانية والعربية.
فالمقولة تقول: “بأن المقاهي الشعبية والقديمة أكثر من مجرد مقاه أحياناً إنها دفاتر تاريخ إنها أيضاً مناهج اجتماع ومراجع سياسة وكتب آداب ومؤشرات اقتصاد أحياناً، المقهى العريق يشبه جامعة شعبية غير مستغلة جامعة شعبية بدون قبول وشهادات تؤهل للإندماج في تراب المكان”
ما زال الرجال يتردّدون الي تلك المقاهي، وما زال أبو عصام وغيره يعملون فيها بكل نشاط، كما أبو سمير يرتدي أجمل ما لديه من ملابس، وأرتبها ليرتاد المقهى.
هؤلاء الرجال وغيرهم، ما زالوا يحملون في قلوبهم روح الشباب والزّمن الجميل، المحافظين على عادات من مر قبلهم وسبقهم، حيث يأتي السؤال ويبقى من دون اجابة، ماذا بعد رحيلهم؟ هل ستصبح المقاهي ذكريات الزمن الماضي لتضاف الى لائحة الهدم من عاداتنا وتقاليدنا!