أوروبا بعد انتخاب ميركل والشريك المحتمل للائتلاف الموسع

محطات نيوز – دعمت نتائج الانتخابات البرلمانية الألمانية، بعد فوز الاتحاد المسيحي الديمقراطي، سياسة ميركل الأوروبية الداعية للتقشف. ورغم ذلك، من المنتظر أن تشهد تلك السياسة بعض التغييرات نظراً للتحالف المرتقب مع أحد أحزاب اليسار. من المؤكد أن المستشارة أنغيلا ميركل كانت الشخصية الأقوى على الساحة خلال الانتخابات البرلمانية التي أجريت في الثاني والعشرين من أيلول/ سبتمبر الماضي. والفوز الكبير لحزبها، التحالف المسيحي الذي يضم الاتحاد المسيحي الديمقراطي وشقيقه الأصغر المسيحي الاجتماعي، بنسبة 42 في المئة، زاد المستشارة قوة وعزز من مصداقيتها.

أوروبياً، عرفت ميركل بنهجها المتشدد الداعي للتقشف والإصلاح، فـ”لا للمساعدات دون إحداث إصلاحات” هو الشعار الذي طالما رددته وستردده في المستقبل أيضاً، لأن الناخب الألماني بانتخابه حزب ميركل، بما لا شك فيه أنه يزكي هذه السياسية ويعتبرها الأقرب لخدمة مصالحه أمام تعثر العديد من الاقتصادات الأوروبية. “لا مساعدات دون إحداث إصلاحات” شعار رفعته ميركل بوجه اليونانيين، ما أثار حفيظتهم.

لقد تم تعليق العديد من القضايا إلى أن تُحسم نتيجة الانتخابات الألمانية، وعلى رأسها قضية الاتحاد المصرفي الأوروبي والهامش الذي سيسمح به لليونان من أجل سداد الديون السيادية المستحقة عليها. وبعد انتهاء الانتخابات، فإن القضايا عادت لتتصدر الأجندة الأوروبية اليوم.

على الرغم من الفوز الكبير للتحالف المسيحي، إلا أنه لم يحقق الأغلبية التي تعفيه من البحث عن شريك في الائتلاف الحكومي. ولأن الحزب الديمقراطي الحر، شريكه التقليدي، فاز بأقل من خمسة في المئة من الأصوات، وبالتالي لن يكون ممثلاً لأول مرة في في تاريخه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية تحت قبة البرلمان (بوندستاغ)، فقد باتت ميركل أمام خيارات أحلاها مرّ، خاصة وأنها رفضت خيار حكومة الأقلية. وهذا يعني إما التحالف مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي كما حدث سنة 2005، أو مع حزب الخضر أو مع حزب اليسار (أقصى اليسار) وهو الاحتمال الأكثر استبعاداً، بل ومستحيلاً، حسب قادة التحالف المسيحي. وعلى المستوى الأوروبي، يعد الحزب الاشتراكي الديمقراطي إلى جانب حزب الخضر من المعارضين لسياسة ميركل التقشفية، لكونهما يراهنان بشكل أساسي على البرامج التنموية الحكومية.

فإن بعد نتائج الانتخابات الألمانية ستفرض سياسة التقشف اللينة نفسها على الساحة عاجلاً أم آجلاً؛ “ففي حال لم ينتعش اقتصاد البلدان الأوروبية مجدداً، فإن وصفة مواجهة الأزمة بالتقشف لا يمكنها الصمود طويلاً”.

كما أن ميركل نفسها قامت بخطوتين إلى الوراء أثناء حملتها الانتخابية، حين أظهرت استعداداً للاستجابة إلى بعض مطالب الدول التي تواجه ديوناً سيادية ضخمة وعلى رأسها اليونان. وإذا ما قبل الحزب الاشتراكي الديمقراطي الدخول في ائتلاف موسع مع المستشارة ميركل، فمن المنتظر أن تتبنى الحكومة الألمانية القادمة سياسة لطالما عارضها الشريك السابق، ألا وهو الحزب الديمقراطي الحر، والتي تتعلق بضريبة التحويلات البنكية التي أشاد بها الحزب الاشتراكي في وقت سابق.

في المقابل، طالبت أصوات من معسكر اليسار في البرلمان الأوروبي، الحزب الاشتراكي الديمقراطي بـ”الانضمام إلى الائتلاف الحكومي الموسع، لأن ألمانيا بحاجة ماسة إلى تأثير الاشتراكيين الديمقراطيين داخل الحكومة القادمة لمواجهة التحولات التي تشهدها أوروبا”. غير أن أصوات أخرى في البرلمان الأوروبي، من الحزب الاشتراكي الألماني، يروا أن على الحزب الحصول على امتيازات أكبر خلال مفاوضات الائتلاف، من بينها السماح بخلق سياسة تنموية في سوق العمل حسب تصورات الاشتراكيين.

وتستدعي انتخابات الثاني والعشرين من سبتمبر/ أيلول الوقوف عند المسار الذي قطعه حزب “البديل لألمانيا” المناهض لليورو، الذي يدعو إلى العودة إلى المارك الألماني ويعتبر أن سياسة الإنقاذ الأوروبية تقوض المصالح الألمانية. ورغم أن الحزب أنشئ قبل أشهر فقط، إلا أنه استطاع تحقيق نسبة 4,9 في المئة من الأصوات وكاد يدخل البوندستاغ.

ويعتبر أن نجاح هذا الحزب جاء نتيجة “جهل قطاع واسع من المجتمع الألماني بالسياسة الأوروبية، خاصة سياسات الإنقاذ لمنطقة اليورو”. ويضيف الخبير “إن السيدة ميركل وحزبها وباقي الأحزاب الألمانية تخلت عن دورها في تفسير تلك السياسات وجاء الثمن بصيغة حزب ’البديل لألمانيا’”.

بدوره، حذر أحد النواب في التحالف المسيحي في البرلمان الأوروبي، من تنامي شعبية حزب “البديل”، معتبراً أن خروج الدول التي تواجه الديون السيادية من منطقة اليورو أمر “غير مسؤول ويهدد أمن الاتحاد ومصير الصادرات الألمانية للدول الأوروبية”. ومن هذا المنطلق، هناك من يؤكد في المركز السياسي الأوروبي EPC أنه بات من الضروري على الأحزاب الألمانية الأخرى الاهتمام بالمواضيع التي طرحها حزب ’البديل لألمانيا’، وتقديم توضيحات للناخب حول طبيعة السياسة الأوروبية”. ويبدو أن ضرورة تفسير ماهية أوروبا للناخب الألماني هو الدرس الذي استخلصته الأحزاب في الانتخابات الأخيرة.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إضغط هنا

أحدث المقالات