محطات نيوز – نظمت مديرية الدراسات والمنشورات في وزارة الاعلام، بالتعاون مع وزارة الثقافة والمنظمة العربية للتنمية الادارية والمعهد العالي للدكتوراه في الجامعة اللبنانية، في قصر الاونيسكو في بيروت، ندوة “ادارة المصادر التراثية”، بعنوان “تأصيل التراث العربي: رؤية بين الحداثة والهوية وتحديات المستقبل”، برعاية وزير الاعلام رمزي جريج وحضوره ووزير الثقافة روني عريجي ممثلا بالمدير العام للوزارة فيصل طالب.
وحضر ايضا رئيس المجلس الوطني للاعلام المرئي والمسموع عبد الهادي محفوظ ونائبه ابراهيم عوض، المدير العام لوزارة الاعلام الدكتور حسان فلحة، مدير قسم الدراسات في الوزارة خضر ماجد، مدير اذاعة لبنان محمد ابراهيم، مستشار وزير الاعلام اندريه قصاص، المستشار الاعلامي في السفارة الايرانية سعيد اسدي، المستشار الاعلامي في السفارة المصرية صبحي عبد البصير، رئيس قسم تنفيذ مشاريع التراث العمراني في دبي المهندس احمد محمود، رئيس رابطة خريجي كلية الاعلام والتوثيق الدكتور عامر مشموشي وحشد من الشخصيات الديبلوماسية والثقافية والاعلامية ومهتمون.
بعد النشيد الوطني وكلمة عريفة الاحتفال زينب اسماعيل، القى ماجد كلمة جاء فيها:
“في عصر العولمة والقرية الكونية الواحدة التي جمعت العالم المعاصر ورفدته بتدفق هائل من المعلومات، واختلاط الثقافات التي باتت عابرة للحدود والتراث والقيم، أضحت ثقافتنا بلا هوية.
وفي عصر العولمة أيضا يأخذ الاعلام دورا طليعيا يشكل تحديا بارزا للتراث والهوية، فالرابط الاساسي بين الاعلام والتراث هو التفاعل في تعزيز علاقة الشعوب بتراثها، وهنا يؤدي الاعلام بكل وسائله دورين متناقضين: الاول يبرز اهميته في الحفاظ على التراث عبر نشر الثقافة والفنون والاداب والتاريخ والعلوم وارشفتها وحفظها، والثاني استباحت فيه ثورة الاتصالات منذ انطلاقها في القرن الماضي وصولا الى عصرنا الحالي المعروف بعصر الاتصال الذكي، مختلف المجالات الحياتية، مما يدفع بنا وبأجيالنا الى العولمة الكاملة.
من هنا نطرح الاشكالية الاتية: “هل اصبحنا في حاجة الى تحديد هويتنا الثقافية في تاصيل التراث للحفاظ على هويتنا وتراثنا العربي؟”
انها من ابرز القضايا العربية المعاصرة التي تتطلب بحثا ودراية حتى لا نبقى واقفين على اطلال تراثنا من دون حفظه او تطويره، نتباهى بتراثنا ونقول اننا اوائل اصحاب الفنون والعلوم والابجديات والثقافات، لكننا قد نكون جمدناها ووقفنا عليها لنقول كان أجدادنا.
اكثر من مئتي شركة اعلامية واعلانية كبرى عملاقة في العالم وعشرات مواقع البحث والمعلومات ليس فيها شركة او موقع عربي واحد عابر للقارات، فهل هذا تقصير او قصور في حفظ تراثنا ولغتنا وهويتنا العربية واين مكانها في عصر العولمة هذا.
اننا في مديرية الدراسات والمنشورات اللبنانية في وزارة الاعلام نؤكد مسؤولياتنا الوطنية والقومية بالتعاون مع الجميع للحفاظ على اعلامنا والدور المتوجب عليه لتاصيل تراثنا وهويتنا ونشر ثقافتنا عبر سبل عدة نلقى فيها كل التأييد من معالي وزير الاعلام الاستاذ رمزي جريج وبمواكبة واهتمام وعمل دؤوب من المدير العام الدكتور حسان فلحة، ابرزها:
– وضع برنامج لسلسلة مؤتمرات وندوات وورش عمل ومعارض للاضاءة على قضايانا الوطنية والعربية والعالمية.
– تفعيل الموقع الالكتروني لوزارة الاعلام والذي تديره مديرية الدراسات بعشر لغات عالمية نعمل ليكون بوابة معلومات عن لبنان والاعلام فيه وعن مختلف القضايا من دراسات وتحقيقات ومناسبات واستقصاءات وصور تحاكي الداخل والخارج والاغتراب اللبناني والعربي في كل بقاع الارض. وبموازاة هذا الموقع تنشط صفحة “الفايسبوك” لمديريتنا وهي تضم زهاء عشرين الف مشترك الى الان يتفاعلون في ما بينهم.
– الاستمرار في اطلاق تقريرنا حول توجهات الصحافة اللبنانية بمؤشراتها الاحصائية واهتماماتها وقضاياها.
– العمل على احياء دوائر المديرية وأقسامها لجعلها حلقات مترابطة لتكوين قاعدة بيانات اعلامية موثقة مكتوبة ومرئية ومسموعة والكترونية وصورية ومكتبة متخصصة للباحثين والاعلاميين.
– اصدار اكثر من عدد من مجلة “دراسات لبنانية” ومجموعة منشورات وافلام وثائقية.
اضافة الى مجموعة نشاطات اخرى.
واخيرا، اشكر جميع من شارك وساهم في اقامة هذه الندوة التي تضيء على قضية عربية جامعة لا سيما المنظمة العربية للتنمية الادارية في جامعة الدول العربية التي بادرت وعملت لذلك، وكذلك وزارة الثقافة بشخص مديرها العام وايضا المعهد العالي للدكتوراه في الاداب والعلوم الانسانية الذي رفدنا بمجموعة من الباحثين واهل العلم والمعرفة.
شكرا لمدير هذا الصرح العلم قصر الاونيسكو الاستاذ سليمان الخوري والعاملين معه، وشكري الكبير لمعالي وزير الاعلام الاستاذ رمزي جريج الذي رعى هذه الندوة وقدم كل ما يمكن لنجاحها، وكذلك المدير العام الذي اوعز للتعاون في تنظيمنا هذه الندوة قبلنا ووضع كل ما هو مطلوب من اجل اقامتها حرصاً على العمل العربي المشترك.
واخيرا لا انسى شكر جميع الحاضرين لا سيما زملائي في وزارة الاعلام بكل وحداتها للجهد الذي قامو به”.
وتحدث مستشار المنظمة العربية للتنمية الادارية نواف طبيشات، فاعتبر “ان التراث لم يكن يوما تاريخا ماضيا فحسب بل هو جذر ممتد نحو ماضي الاجداد وهو النبراس الذي نهتدي به ونسير على خطى الاجداد لنعيد بناء مجد الامة وحضارتها”.
اضاف: “ليس كما يعتقد البعض أن موروثاتنا هي اشياء قديمة وبالية، وبان ما تبقى منها من مصادر تراثية مادية هي عبارة ابنيية قديمة تستخدم كمزارات سياحية فقط، او ادوات قديمة مستعملة لا تصلح لاستخدامها في الوقت الحاضر. او هناك من يقول مالنا ومال التراث ومال الاجداد فهم قد ذهبوا، فصحيح انهم ذهبوا ولكن آثارهم باقية خالدة وشاهدة عصر على مجدهم وحياتهم.
ان التراث يا سادة هو شاهد عصر وبوابة التاريخ التي ندخل منها لنرى ما صنعه الاقدمون والاجداد من مجد وعلم وحضارة، فالهوية الوطنية لكل شعب تبنى بالاعتماد على ميراث الامة وتاريخها.
وما كل العلوم السابقة من طب وهندسة وفلسفة وفلك وادب وما الى ذلك، من العلوم التي ورثناها من اجدادنا الذين سبقونا وتركوا لنا جملة المبادىء والنظريات والقوانين الطبيعية التي قامت عليها الحضارة الحديثة. فالتراث هو روح الماضي وعبقه يعيش فينا ونعيش فيه وهو الملهم لنا للمستقبل.
وخير شاهد على ما نقول بأهمية التراث المادي والمعنوي ما ورثناه من ديانات سماوية نؤمن بها ونقوم بشعائرها بعقيدة راسخة على الرغم من انها تنزلت في عصور سابقة وقبل الاف السنين”.
وقال: “التراث العربي والاسلامي يمثل شكل الهوية العربية والاسلامية بين الشعوب الاخرى، وقد بنيت علي هوية الامة ومستقبلها. فكان بذلك المرجعية والمنشأ الاول لكل ما وصلنا اليه في عصرنا الحديث. وتأصيل ذلك التراث الذي يمثل تاريخ الامة، يجب ان يعمل على التمازج بين الحداثة والحفاظ على الهوية العربية والاسلامية في تأصيل التراث العربي والحفاظ على خصائصه، وبالتالي معرفة ما هي التحديات الحالية والمستقبلية التي تواجه تأصيل التراث العربي في صورة يتم الحفاظ فيها على مضمون ذلك التراث، وايضا كيف يمكن ايجاد تمازج بين الحداثة والحفاظ على الهوية وبين ما هو موجود وما هو مستقبلي اي التحديات المستقبلية التي تواجه تأصيل التراث دون المساس بجوهره.
ان قضايا التراث، من ابرز القضايا التي تتطلب معالجتها، وفي ضو هذه المعطيات تتضح رؤيتنا لهذه الندوة الموسومة ب “تأصيل التراث العربي: رؤية بين الحداثة والهوية وتحديات المستقبل”.
بدوره، رأى عميد المعهد العالي للدكتوراه في الجامعة اللبنانية الدكتور طلال عتريسي “ان سؤال الحداثة والتراث سؤال جديد بل هو سؤال قديم متجدد طرح مع الصدمة الاولى مع العرب بعد سقوط الخلافة العثمانية وهزيمة هذه الخلافة مع تقدم المشروع الغربي والاحتلال الغربي للبلاد العربية والاسلامية، وطرح السؤال: ماذا نفعل مع التراث وماذا نفعل مع الغرب المنتصر وكيف نتعامل مع هذا الواقع؟”.
واشار الى “ان هناك اجابات عدة حول هذا الموضوع، الاجابة الاولى ان التقوقع في التراث والدفاع عنه وحمايته هو المطلوب اي تشييد سور من الانغلاق لان الغرب المنتصر يجب الا ان يدخل الى قلب وفكر عاداتنا وتقاليدنا.
اما الاتجاه الثاني فاعتبر ان الحل يكمن في ان نأخذ الغرب كما هو باعتبار ان الغرب هو الذي انتصر وعلينا ان نأخذ فكره التنموي والاداري والتعليمي والعسكري والاجتماعي “، معتبرا ان “هذا الامر حصل في جزء كبير على مستوى الجامعات والادارة والتنمية.
اما الاتجاه الثالث، فنحاول ان يكون اتجاها توفيقيا بين المحافظة على التراث وان نأخذ من الحداثة ما يناسبنا ونحتفظ بالتراث”، معتبرا ان “هذا الاتجاه على رغم منطقيته هو الاتجاه الاصعب لان ليس كل ما في التراث ينبغي ان نحافظ عليه”.
والقى طالب كلمة وزير الثقافة، فقال: “نلتقي اليوم في حضرة التراث العربي وتأصيله وفي تفاعله مع مفاهيم الحداثة وتداعياتها، برؤى تحديات المستقبل، وما يجب ان يفرضه من توجهات وقرارات تفضي الى حسم خياراتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في واقع وجودنا الحي، على وقع العولمة التي تطرق هويتنا وخصوصيتنا الثقافية، من غير ان نكون مستعدين لمواجهة سلبياتها من جهة، وللاسهام في الانجازات المحققة في ميادين مشهدها التكنولوجي – المعلوماتي، واسقاط مفاعيله وارتداداته على مجريات حياتنا بصورة فاعلة، من جهة اخرى”.
اضاف: “ليس سهلا على النخب في اوقات الازمات ولاصعوبات والتحديات، ان تبادر الى مقارعة الاخطار بمزيد من الانخراط في دينامية الحراك الثقافي ، لتكون الثقافة التظهير المتقدم للتنمية المستدامة، بل عنوانها ودليلها، على قاعدة الربط الجدلي بين الحركة الثقافية وسائر انواع الحراك العام، وبالاستناد الى ان النمو الثقافي هو في واقع الحال نمو تربوي وفكري واجتماعي واقتصادي وسياسي ولا شيء يجعل هذا الحراك الثقافي يكتسب اهميته ومشروعيته وجدواه اكثر من غاية الحفاظ على هويتنا الثقافية، في مواجهة النمطية والاستلاب والهيمنة والالغاء تحت شعار العولمة، وذلك عبر صون تراثنا الثقافي وابقائه في حيز الحيوية والنمو، سبيلا لحضورنا الثقافي الفاعل في الساحة الاعلامية، وما يرتبط به من مفاهيم الحوار بين الثقافات، والاعتراف بالآخر واقامة جسور التفاعل بين الشعوب”.
وتابع: “ان الحماية الحقيقية لكل ما تنجزه التنمية المستدامة في مجتمعاتنا العربية لا يكون الا بتحقيق الامن الثقافي الذي يكفل لهذه الانجازات ان تثمر خيرا عميما، يطاول بناء الانسان العربي في بعديه الافقي والعمودي: بناء كل انسان وبناء كل الانسان، عندذاك تتحقق مفاهيم الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي، ونبذ التفرقة والعنف، وترسيخ قيم التعاون والتسامح والمحبة والانتماء ، وتنتشر ثقافة المواطنة وتتعزز مكانة القانون في حياتنا لتندحر مظاهر الفساد بمختلف اشكاله وتجلياته”.
وتابع: “ان خير الوسائل للتعامل مع ظاهرة العولمة هي في التواصل مع الاخر على قاعدة التثاقف الذ لا يلغي خصوصيتنا، بل يعمق فهمنا للديمقراطية وقاعدتها الاساسية: الحرية التي تتيح للتنوعات الثقافية في الاطار العام الواحد، ان تشكل مصدر غنى واثراء لهويتنا الثقافية العامة”.
وقال: “ان الابداع وهو المنتوج البديهي للحرية كفيل ان يرتقي بحضورنا الثقافي الى مستوى التكافؤ مع الآخرين الذين سبقونا في مسار التفوق والتقدم، وعندها لا خوف على شخصيتنا الثقافية من اخطار الالغاء او الاستلاب او الهيمنة”.
وختم:” شكرا للمنظمة العربية للتنمية الادارية وكل الجهات الداعمة والراعية لاقامة هذه الندو في لبنان، البلد النموذج في العيش المشترك وفي تفاعل ابنائه بتلويناتهم الثقافة المتنوعة، الذين استطاعوا ان يقدموا ، في مناخ الحرية التي ينعمونه بها، تجارب رائعة في ميادين الحفاظ على التراث وتأصيله بجهود المجتمعين الرسمي والمدني، وان يجعلوا من بلدهم موطنا للابداع الذي يغتني دائما بمصادر تنوعه الثقافي، وان يكون بقعة ضوء ومركز استقطاب في الوقت عينه في محيطه والعالم، في نطاق الانفتاح وعمليات التثاقف الانساني، على امل ان يحقق المؤتمرون في هذه المناسبة الاهداف التي يسعون اليها، لما فيه خير التراث العربي صونا ونموا وتفاعلا وحضورا في العالمين”.
والقى وزير الاعلام رمزي جريج كلمة قال فيها: “من دواعي سروري أن يقوم تعاون بناء بين وزارة الاعلام والمنظمة العربية للتنمية الادارية، وعلى رأسها الدكتور رفعت الفاعوري، لما لهذه المنظمة من إسهامات غنية في تطوير استراتيجيات التنمية الادارية في العالم العربي، بهدف تفعيل قدرات شعوبه وتمكينها من الانخراط في عملية التنمية المستدامة، وابراز دور الادارة في تسريع النمو الاقتصادي وفي مواكبة التغيرات الاجتماعية، بغية رسم آفاق جديدة للمستقبل”.
وأضاف: “إن الندوة التي تنظمونها بالتعاون مع الجامعة اللبنانية ومديرية الدراسات والمنشورات اللبنانية في وزارة الاعلام تتناول الجدلية القائمة بين التراث والحداثة، وهو العنوان العريض لاربعة محاور تمتد على مدى ثلاثة ايام ، وتعالج موضوع اصالة التراث العربي والتحديات التي تواجه الحريصين على الحفاظ عليه، ازاء تحديات المستقبل.
فموضوع التوفيق بين التراث والحداثة، بين القديم والجديد، كان ولا يزال يشغل حيزا واسعا من النقاش الفكري لدى النخب الثقافية منذ تكون الفكر البشري، وسيستمر لعقود طويلة آتية، خاصة مع دخولنا مرحلة ما بعد الحداثة.
فاذا كان الصراع بين القديم والجديد محتدما على الدوام في ظل التحولات البطئية التي كانت تحصل سابقا ، فبالأحرى ان يحتدم هذا الصراع في ظل التطورات السريعة والهائلة التي يشهدها عالم اليوم”.
وتابع: “إن التراث مستودع حضارة الشعوب، وخزانة ثقافاتها وعاداتها وتقاليدها، وهو يبرز القيم التي تراكمت في حياة الأمم على مر الزمن، وباتت تشكل الطابع الفكري والاجتماعي لهوية هذه الأمم، ولهذا يرتبط الانسان بها كارتباطه بأرض وطنه ويصير كل انقطاع بين المرء وتراثه سببا من اسباب الضياع وفقدان الهوية.
فينبغي للشباب أن لا يتجاهلوا ماضيهم ولا ينكروا أهمية تراثهم الحضاري، لأن من ليس له ماض، لا حاضر له ولا مستقبل.
إلا أن هذا لا يعني الجمود وتوقف عقارب الساعة عند حدود الزمن الغابر، رغم ما فيه من اصالة لا يجوز التنكر لها. بل يقتضينا التطلع إلى المستقبل، بما يحمل من فكر جديد وتقنيات حديثة نضيفها الى تراثنا الاصيل، ونحاول توظيفها في حركة مستمرة، تهدف إلى تطوير الانسان والمجتمع في كل المجالات ولا سيما الثقافية والعلمية، بمعنى انه يقتضي “عصرنة” التراث وتأصيل الوافد اليه، فنغني تراثنا ولا نتبرأ منه.
ومن ناحيتي، لا أحبذ الحداثة التي تقلد أو تستعير من الغير، متجاهلة التراث المرتبط بهوية الشعب، ولكني مع حداثة الانفتاح التي ترفض الانغلاق على الذات وعدم تقبل الآخر تحت ستار الحفاظ على نقاوة الهوية واصالتها.
وتجدر الملاحظة اننا نجد في التاريخ العربي نهجا توفيقيا حاول الجمع بين الموقف المتمسك بالتراث والمعارض لأي ثقافة دخيلة وبين الموقف المدافع عن الثقافة الوافدة، التي يعتبر ان من شأنها ان تفتح آفاقا جديدة للتطور الفكري.
وكمثال للنهج التوفيقي اشير بصورة عابرة الى حركة الترجمة، التي انطلقت في العصر العباسي وسمحت للعرب ان يتعرفوا الى الفلسفة اليونانية بشكل واف من دون التفريط بتراثهم، وقد توسع نطاق حركة الترجمة في القرنين الماضيين لتشمل كل ما يمكن نقله من الفكر الأوروبي الحديث، حتى ان طه حسين راح يدعو الى اقتباس حضارة الغرب كاملة، لأن الغرب اخذ عنا مذاهبنا في العلم والبحث، فلا ضرر ان نأخذ اليوم حضارته”.
ورأى أنه “أمام معادلة التوفيق بين الماضي وتراثه وبين المستقبل، مع ما يحمل من فكر متجدد وتقنيات حديثة، لا بد من أن نجد توازنا بين الثابت من تراثنا العريق والمستجد في العالم على الصعيدين الفكري والعلمي في محاولة لتكييف ما يأتينا من الخارج مع ما يميز شخصيتنا الوطنية من خصائص ذاتية. وبذلك يتكامل التراث والتقدم في مسيرة نمو الانسان.
وفي هذا السياق يحضرني قول الشاعر الخريمي:
إذا انت لم تحم القديم بحادث من المجد لم ينفعك ما كان من قبل”.
وختم جريج مكررا “الشكر للمنظمة العربية للتنمية الادارية”، وآملا “أن تكون هذه الندوة باكورة تعاون مستقبلي بيننا لتحديث الادارة في الوزارت والمؤسسات العامة، في إطار من المشاركة البناءة بين القطاعين العام والخاص، سعيا الى تحقيق بعض ما نصبو اليه، بالعمل معا في ورشة الاصلاح والتقدم”.
بعد ذلك، جرى توزيع دروع تذكارية على كل من جريج وطالب وعتريسي وطبيشات.
وبعد استراحة قصيرة، بدأ المحور الاول من الندوة التي ستستمر حتى يوم الاربعاء المقبل، فتحدث مدير الجلسة ممثل المدير العام لوزارة الاعلام مدير اذاعة لبنان محمد ابراهيم الذي قال: “ان تطور الانسان المعرفي هو تراكم تجاربه عبر التاريخ وهذا التراكم هو المسمى الحضارة، ولان المجتمعات كل على حدة كان لها حيز جغرافي نعيش في كنفه كان لها نمط خاص في العيش وقوانين تحكم عقد اجتماعها، اصبح لها بصمتها الخاصة في المعرفة والثقافة وهي ما نطلق عليه التراث وهو مدعاة اعتزاز وافتخار لكل شعب لانه يعبر عن هويته وثقافته الخاصة”.
اضاف:” الا ان وسائل الاتصال عبر التاريخ جعلت سبل التفاعل بين الشعوب امرا حتميا ما ادخل في تراث كل شعب وثقافته وحضارته شيئا من الابداع الانساني الذي لا تحجبه حدود. لذلك نرى بعض المشتركات الانسانية في تراث كل الشعوب. وكل جيد لا بأس به وان دخل في حضارة اخرى”.
وقال:” من هنا يطرح السؤال الآتي: “كيف تتفاعل مع الحضارات الانسانية وتفيد من معارفها مع الحفاظ على إرثنا وتاريخنا وثقافتنا”؟
وكانت كلمات لكل من غريد الشيخ محمد والدكتور قصي حسين والدكتور لؤي زيتوني وجوزف مفرج ومحمد ناصر.
