محطات نيوز – ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداسا في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي لمناسبة انتهاء الرياضة الروحية للاساقفة الموارنة، اي الجزء الاول من الخلوة السنوية لسينودس الاساقفة، على ان يبدأ الجزء الثاني منه الاثنين المقبل ويستمر لغاية يوم الاربعاء، حيث يبحث فيه شؤونا وطنية واجتماعية وانسانية، يصدر في ختام اعماله بيان يتضمن كافة المواضيع التي تمت مناقشتها ومقرراتها.
بعد الانجيل المقدس، ألقى الراعي عظة بعنوان: “السلام استودعكم، سلامي اعطيكم”،(يو14: 27)، وجاء فيها: “في ختام رياضتنا الروحية، التي استعدينا فيها للدخول في سينودس
أساقفتنا المقدس صباح الاثنين المقبل، نرفع ذبيحة الشكر لله على نعمة الرياضة ومقاصدها وثمارها، وأولاها قبولنا سلام المسيح، سلام شخصه الساكن فينا، وسلامه الذي يدعونا لإحلاله في كنيستنا وأبرشياتنا، وفي مجتمعاتنا وأوطاننا. فها هو يؤكده لنا في إنجيل اليوم: :السلام استوعكم، سلامي أعطيكم” (يو14: 27).
أضاف: “إني معكم أشكر حضرة الخوري مكرم قزح الذي ألقى مواعظ هذه الرياضة، بتأملات مشبعة من تعليم الإنجيل، وغنية بالروحانية والخبرة الحياتية، وكانت بموضوع “فرح الإنجيل”، الذي هو عنوان الإرشاد الرسولي الذي أصدره قداسة البابا فرنسيس، ونتمنى للعزيز الأب مكرم المزيد من النعم مع دوام الصحة، لكي يواصل إعلان كلمة الإنجيل وزرع فرحه في القلوب. كما نعرب عن تقديرنا بنوع خاص لعمله الكهنوتي والراعوي ولمهمته كمرشد ومرافق روحي لطلاب الكهنوت في مدرستنا الإكليريكية البطريركية في غزير”.
وتابع: “سلامي أعطيكم! يعطينا المسيح الرب ذاته ليكون سلاما فينا، على ما يقول بولس الرسول: “المسيح سلامنا” (أف2: 14). بالمسيح، تحول السلام من كلمة مجردة إلى شخص يجسد السلام. فأصبح للسلام اسمٌ في التاريخ هو يسوع المسيح. فكلامه هو سلام الحقيقة في العقول، وسر فدائه هو سلام نعمة الشفاء في النفوس، وشركة جسده ودمه في القربان هي سلام محبته في القلوب”.
وقال: “لا يستطيع أحد أن يقبل المسيح سلاما في داخله من دون إنجيل الحقيقة وأسرار الخلاص وقربان الجسد والدم، الذي هو ذبيحة الفداء والخلاص، ووليمة الحياة الجديدة.
فبات من واجبنا الراعوي تعزيز الحياة الروحية لدى أبناء كنيستنا وبناتها، كبارا شبانا وصغارا، ولا سيما لدى من هم في موقع المسؤولية، سواء في العائلة، أم في المجتمع المدني، أم في الدولة، لكي يعيش كل واحد منا ومنهم السلام بكل أبعاده: السلام مع الله بالخروج من حالة الخطيئة، والسلام مع الذات بتأدية واجب العبادة لله وممارسة أسرار الخلاص، وواجب الحالة والمسؤولية، والسلام مع الآخرين بالمصالحة مع من نحن في حالة خلاف أو عداوة معه، والسلام مع الطبيعة، بحماية جمالها الذي يعكس قدسية الله الخالق وحكمته، وبحماية البيئة، أرضا وشجرا وماء وهواء، من أجل سلامة الجميع “.
أضاف: “السلام استودعكم! يأتمننا الرب يسوع على عطية السلام الآتية من الله. فنلتمسها كل يوم وباستمرار، بالصلاة (راجع متى 7: 7-8) ونلتمس معها القدرة على بناء السلام، رغم كل الصعوبات والمعاكسات والعراقيل. ونلتزم بصنع السلام والمحافظة عليه. وندعو كل أبناء كنيستنا والمسؤولين المدنيين والسياسيين للالتزام ببناء السلام، من خلال ممارسة العدالة، لأن السلام هو ثمرتها، ومن خلال العمل في سبيل إنماء الشخص البشري، إنماء إنسانيا شاملا، وإنماء المجتمع اقتصاديا وثقافيا وترقيا أخلاقيا وحضاريا. فالإنماء هو الإسم الجديد للسلام، على ما قال المكرم البابا بولس السادس (ترقي الشعوب، عدد 76)”.
وتابع: “السلام عطية من الله، إذا قبلناها سلاما في داخلنا، عشناها سلاما مع كل الناس. فنستحق عندئذ أن نصبح أبناء لله كما يؤكد الرب يسوع في إنجيل التطويبات، دستور الحياة المسيحية: “طوبى لفاعلي السلام، فإنهم أبناء الله يدعون” (متى 5: 9). وهكذا قبل أن يكون السلام اتفاقا وتوافقا أو غياب حرب أو نزاع، وقبل أن يكون سلاما خارجيا، فإنه جواب لدعوة المسيح، أمير السلام، إذا قبلناها وصرنا رجال سلام، نصير أيضا أبناء لله وإخوة بعضنا لبعض . هذه هي الأخوة الحقيقية التي يخلقها المسيح بالمعمودية والقربان. علينا أن نسهر عليها لئلا تشوهها الخطيئة وروح العداوة والانقسام. أجل، يشهد بولس الرسول أن “المسيح، وهو سلامنا، جعل من الاثنين شعبا واحدا، إذ هدم حائط العداوة وحاجزها”(أف 2: 14). هذا الحائط الحاجز هو الخطيئة الشخصية، وإسقاطه هو من ثمار الروح القدس التي قبلناها (أف 5: 9)”.
وقال: “إن الروحانية الغنية والمبادىء الإنجيلية التي أتتنا من مواعظ الأب المرشد، حملتنا على اتخاذ العديد من المقاصد الإصلاحية في حياتنا الشخصية وخدمتنا، وفي ممارسة مسؤولياتنا. وجعلتنا ندرك كم هي كبيرة حاجتنا إلى السلام، في لبنان، وبلدان الشرق الأوسط، بأبعاده الثلاثة: مع الله والذات والناس”.
وتابع: “السلام عندنا في لبنان هو الخروج من حالة الانقسام بين فريقي 8 و 14 آذار الذي يشطر البلاد إلى شطرين متنازعين. لقد فرحنا بأنهما يشاركان في حكومة الائتلاف الوطني، ولكن آلمنا انقسامهما بشأن انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وقد مضى أسبوعان على شغور سدة الرئاسة. فأتت النتائج وخيمة على انتظام عمل الحكومة والمجلس النيابي. ولا عجب، لأن في كل ذلك مخالفات للدستور وللميثاق الوطني، فيما النصوص واضحة تماما، ولا تحتمل أي تفسير استنسابي لمصلحة شخصية أو فئوية”.
أضاف: “لقد صلينا طيلة هذه الرياضة، كما يصلي الكثيرون من اللبنانيين المؤمنين، من أجل الخروج من أزمة انتخاب رئيس للجمهورية، كمدخل أساس لانتظام عمل الحكومة والمجلس النيابي، ولمواجهة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية والأمنية، الآخذة في التفاقم. وقد باتت الهيئات النقابية ورابطة موظفي القطاع العام واساتذة الجامعة اللبنانية يطالبون بحقوقهم بالإضرابات وردات الفعل المضرة كلها بالخير العام وخير البلاد”.
وقال: “من أجل هذه الغاية، دعونا ونكرر الدعوة، مع استعدادنا للمساهمة، إلى مبادرة شجاعة من قبل المرشحين لرئاسة الجمهورية، ومن قبل فريقي 8 و 14 آذار والوسطيين، بحكم الضمير الوطني، ونداء المسؤولية التاريخية تجاه حاجات لبنان والمستجدات الخطيرة في العراق وسوريا، وتداعياتها على بلدنا”.
وتابع: “إن التفاهم والمصالحة والسلام تتطلب كلها شجاعة تفوق بكثير شجاعة الخلاف والنزاع والحروب، عندنا وفي بلدان الشرق الأوسط المتعثرة. ولنقلها مع قداسة البابا فرنسيس، في خطاب لقاء الصلاة مع الرئيسين الاسرائيلي والفلسطيني، الأحد الماضي في حاضرة الفاتيكان:
“نحن بحاجة إلى الشجاعة لنقول: نعم للقاء ولا للتباعد، نعم للحوار ولا للعنف، نعم للتفاوض ولا للعداوة، نعم للصدق ولا للازدواجية، نعم للتقارب ولا للتشنج في المواقف. هذا كله يتطلب شجاعة ومواطبة ومبادرات”.
أضاف: “لكن تلبية الدعوة إلى المبادرة الشجاعة تحتاج في آن: إلى مساعدة النعمة الإلهية، وإلى استعدادت النفس من قبل الجميع، وفقا للمبادىء الروحية التي تأملنا فيها أثناء رياضتنا الروحية بقيادة الأب المرشد، وهي:
1 – الخروج من حالة الخطيئة الشخصية ومقاومة كل عمل منحرف وشرير.
2 – بناء الوحدة الداخلية، الخالية من الازدواجية بين ما نقول وما نفعل.
3 – الالتزام بالدعوة الشاملة الى القداسة بحكم المعمودية والميرون، من خلال الالتزام بواجب العبادة لله، وبواجب حالتنا الزمنية. والسعي إلى تلبية نداء الرب يسوع: “كونوا كاملين كما أبوكم السماوي كامل هو”(متى 5: 48).
4 – المحافظة على حضور الله في قلوبنا، وقد جعلنا هياكل لسكناه، والعودة إليه بالصلاة القلبية التي تلهمنا إلى ما هو حق وخير وجمال.
5 – إعتبار إنجيل المسيح قيمة مطلقة ومصدرا لعيش ثقافة الحقيقة والمحبة والمصالحة والسلام، ولتجسيدها في الأفعال والمبادرات والمواقف.
6 – الثقة بأن الكنيسة هي علامة وأداة حضور الله في قلب العالم الضائع، من اجل خلاصه. إنها كنيسة الرجاء التي لا تتراجع أمام المصاعب، بل تصمد وتزرع الرجاء في النفوس، وتنفتح على الجميع، كعلامة خلاص، على هدي الروح القدس وبنعمة المسيح الفادي”.
وختم الراعي: “إننا نكل كل هذه المقاصد إلى عناية أمنا مريم العذراء، سيدة لبنان وسلطانة السلام، فيما نستعد لإعادة تكريس لبنان وبلدان الشرق الأوسط لقلبها الطاهر، غدا الأحد في بازيليك سيدة لبنان – حريصا بقداس احتفالي يشارك معنا فيه أعضاء مجلس البطاركة والاساقفة الكاثوليك والعديد من المؤمنين.
جدد يا رب قلوبنا بروح السلام، الذي استودعتنا إياه، لكي تصبح حياتنا كلها نشيد مجد وتسبيح للثالوث المجيد الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد،آمين”.
