دقُّوا على الخشب… – حبيب يونس

محطات نيوز – بـ”ثلاثية ذهبية”، هي “الأرض والشعب والقيم المشتركة”، شاء الرئيس ميشال سليمان أن يختم عهده الذي قام أصلًا على ما انتقده في خطابه الأخير في الكسليك، وسمَّاه  “معادلات خشبية تعرقل صدور البيان الوزاري”، قاصدًا طبعًا ثلاثية “الجيش والشعب والمقاومة”، التي عمل أيضًا بموجبها، مناديًا بها مؤمنًا، قائدًا للجيش تسع سنوات…

إذًا، نهاية عهد تقوم على “ثلاثية ذهب” محدثة، في مواجهة “ثلاثية خشب” معتقة في الحياة السياسية منذ ربع قرن… ولكم أن تتصوروا وتتخيلوا وتتوقعوا وتحللوا إلام ستؤدي ردود الفعل عليها، والردود على الردود، في ظرف سياسي داخلي وإقليمي وعالمي، “لا تهزه، واقف على شوار”، أقلُّه انقضاء مهلة الشهر المحددة للحكومة كي تنجز بيانها الوزاري، وإلا عُدَّت مستقيلة، وبات لزامًا على رئيس الجمهورية إجراء استشارات نيابية ملزمة لتسمية رئيس حكومة جديد… إلى آخر المعزوفة المتصلة، هذه المرة، ببدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جمهورية جديد، أي في 25 آذار الجاري…

وإذا كانت تنازلات الأفرقاء المتبادلة التي أفضت إلى ولادة حكومة الرئيس تمام سلام، بعد حَمْلٍ طال أحد عشر شهرًا، أراحت الجو السياسي قليلًا، فموقف رئيس الجمهورية الذي عُدَّ طلاقًا نهائيًّا مع حزب الله، بعد خلافات وتباينات تراكمت طوال عهده، قد يعيد الانقسامات العمودية إلى ما كانت عليه، قبل تشكيل الحكومة، بدليل الانتقادات القاسية التي طاولته والردود القاسية أيضًا على تلك الانتقادات مرفقة طبعًا بعبارات التأييد للرئيس ومقام الرئاسة.

الرجل حرٌّ في موقفه، أأصاب فيه أم أخطأ، خصوصًا أنه يتطلع إلى دور سياسي، بعد انتهاء ولايته، هو حق له، لا جدال فيه، وقد اختار منذ الآن موقعه ووجهته.

ومنتقدوه أحرار أيضًا في مواقفهم منه، أأصابوا أم أخطأوا، خصوصًا أن جوهر حراكهم السياسي يقوم على “ثلاثية الخشب” تلك.

ومؤيدوه كذلك أحرار في مواقفهم منه، أأصابوا أم أخطأوا، خصوصًا أنهم وجدوا في الموقف الرئاسي ما يتلاقى وخطابهم وأدبياتهم، مضافة إليها “ثلاثية الذهب” من دون أن ننسى تركيزهم طبعًاعلى “إعلان بعبدا”، وبين الحين والآخر “مذكرة بكركي الوطنية”.

والسؤال، وقد دخلنا زمن الصوم، هل البيان الوزاري لحكومة يفترض أن تعمر ثلاثة أشهر،هو نظام عالمي جديد مثلًا؟ أو شرعة جديدة لحقوق الإنسان؟ أو دستور جديد؟ أوكتاب مقدس لدين سماوي جديد… حتى يستغرق من أعضاء اللجنة الوزارية المكلفة صوغه، كل هذا الوقت، وكل ذاك التباين، وكل ذلك السجال، وهم يعرفون، والجميع يعرف أن منأبرز مهام التوليفة الحكومية شبه الجامعة، توفير المناخ الملائم لانتخاب رئيس جمهورية، ومواجهة الإرهاب وموجاته المتلاحقة على لبنان، وإراحة الوضع الاقتصادي قليلًا… ليس إلَّا؟

وبالتالي، أي حكومة طويلة العمر دبَّجت بيانًا وزاريًّا “مطنطنًا”، التزمت تنفيذه؟ وكم “مورينةً” خشبًا تضمنت كل البيانات الوزارية، منذ نشوء دولة لبنان الكبير، ولم يحرد الذهب، ولا زعل التبر، ولا غضب الألماس؟

فـ”نظّموها” يا شباب… وقد دخلنا زمن الصوم، بما ينطوي عليه من تبصر وترفع وامتناع عن كل سوءٍ يخرج من الفم، وتأمُّل بدرب الآلام التي سلكها السيد المسيح، حتى علِّق على خشبة،كي يفتدي البشرية…

“نظموها”، أطال الله أعماركم، لئلا يبقى لبنان وشعبه معلقين على خشبة من هنا، وسبيكة ذهب من هناك، ولئلا يظل مصيرهما مرتبطًا، تارة بمعركة في سوريا، وطورًا بانقلاب في أوكرانيا، ولئلا تمضوا بهما من أزمة إلى أزمة، ومن خواء سياسي إلى فراغ رئاسي… وأنتم أدرى، أو هكذا يفترض بكم أن تكونوا، بما ينتظر لبنان وشعبه، وسط حفلة الجنون الدولية الإقليمية المحلية التي يشرب القيمون عليها والمشاركون فيها خمر المصالح حتى الثمالة، فإذا بنا نحن من نسكر.

نقول لبنان وشعبه… ونسمي، ونبسمل ونحمدل، وخمسة في عيون الحاسدين، وندق على الخشب، سواء آمنا مع القدماء بأن أرواحًا شريرة تسكن الخشب، فننقر عليه لنطردها، أو صدقنا الرومان الذين كانوا يظنون أن آلهتهم تسكن الغابات، فيدقون على الخشب كي يستحضروا نعمتها بينهم.

قديمًا سأل زياد رحباني، زكريا “بالنسبه لبكرا شو”: على فكره، شو هيي المواد الأولية؟

فهلَّا سأل أحد اليوم: شو هيي القيم المشتركة؟… و”شقفة” بيان وزاري لم نتفق بعد على وضعه.

اسم الله علينا… دقُّوا على الخشب.

حبيب يونس

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إضغط هنا

أحدث المقالات