محطات نيوز – عماد جانبيه
هذا الصحفي الفضولي والنهم والواسع النطاق بشكل استثنائي، الذي يملك سيرة مهنية فسيحة، تسلّق فيها درجات النجاح في مقالاته وأبحاثه، فكان واضح الرؤية في الحكم على كتاباته، وظل مميزاً لها، فهو اللبناني المؤمن بوطن الرسالة، ولا يفرق بين الطوائف.
كان بره لوالديه وكان الاهداء في أول الكتاب الى من وهبته الحياة أمه الغالية ليعيش حياة كتابة ملؤها الحب والخيال.
فادي شبل الشخصية الفذة في ثقافتها، يكتب الشعر ويصطاد الكلمات، فيدهش بمواهبه الخارقة صفوة كتّاب عصره وشعرائه.
“نون” هو الطعم وهو العنوان، من اليد إلى العين إلى اللسان، فـ كان همّه أن يقول شعراً من عيون الشعر، ليشفي الحلم الذي فيه، ويكون معبداً للحروف وهو القائل باللبناني: “أول كتاب بوقعو مش عن عدم معرفي حسيت بروحي معو وإنتي يا روحي بتعرفي كيف الفرح بيضّل لعيونك وفي.”
وله في الوصف أو الغزل أو الرثاء أو المواعظ والحكم 62 قصيدة اخترنا من بينها روائع ضمها كتابه نون حكاية نبض
كتب شبل على مذبح الخيال ليشرح نفسه للآخرين، فإتخذ الخيال درعاً ليعلن لهم الخبر، ولكي يعلن الحب من عنده على نحو مختلف وبشكل مختلف، فيدخل في حالة هياج ذهني شديد، ليلتقي حبه الأوحد “نون”!!
نون…
لو لم تكونــــي ألفاتنة
وبطلة حكاية النبض
لم أعشق ولم أولـــد ولم أسهر ليلــي مناجياً طيفكِ
ولم اعرف أن سحــر أنوثتكِ فتح أسرآر ألحيآة
هذا المتدين، المتعبد، الراقي في تفكيره، النابذ للتعصب، “يقسم بكتابه المقدس، بأنه أمام صليب وجنتيها سيسمر، ويشهد بالمصحف الشريف بعينيها بأنها الحب وانها العشق والنور…”
يقول في قصيدته: عُنفُوانُ الحَنَان
عَلَى إيقاع اسمُكِ مَشَى الزَمَان وكَتَبَت الحُروف
عَلى صَفحَة جَبينك نَبَتَ الزَنبَق وَنَامَ العُنفوان
وَفْي بُحور عَينَيكِ رَقَصَ الفَرَح مَع أشرِعَة الحَنَان
عَلَى شَفَتيكِ تَدَحْرَجَت أَنغَامُ الحُبِّ النَقيِّة!!
عَلَى شَعرُكِ كَتَبَ الهواء قصائِدُهُ الرَبِيعيَّة!!
عند قَدَمَيكِ إنحنت أزهارُ الرَبيعِ بَاكِيَة
وَفِي أرَجاءِ جَسَدٌكِ استوطنت نبضاتي الشادية
مَن أجلِ كُل هَذا الجَمَال البَاهِر و أيَّامي الباقية
حطِّمَت عَلى مذبَحَ صَدرُكِ مراكب عشقي الراسية
كَمَا تَتَحطَّم الأمواج على الصُخُورِ العَاريِّة.
اعتراف الشاعر بالـ “نون حكاية نبض” كما وصفها في كتابه انها طريقه الى الحكاية، ومرتبطة به، ارتباطاً كاملاً لا جدل فيه… ينقل لنا الصورة في الوقت والجهد لمشروع كتاب يعرف الى من يذهب، فيشعر المتلقي أن القصة قد بدأت، بإلتقاط إيقاع، استخدم الشاعر مخيلته ليتمكن القارىء أن يرى ويسمع ويشاهد أشياء يؤكد ان كتاب نون موجود.
يذكر:
يَأتِيْ الشَوقُ لَيلاً فـَيَنهَشُ رُوحِيْ
كَـأرضٍ عَآرِيَةٍ تَصفَعُهَا مِيَاهُ المَطَرْ
ألتجئ إلى قفص صدرك الذهبي
لأقيم حفل حريتي
وأشدو على إيقاع نبضك
أعذب تمتمات العشق
أتوسد حضنك
وأستنشق عطر يديكِ
لأغفو على وسادة
حلمنا الجميل !!
“نون” ملهمة الشاعر في حريته وفي قيمه وأخلاقه، ليعطي من صدق عاطفته، فكتب للقارىء ليتمتع بلذة القراءة، وكتب لنفسه ليشارك في حلاوة الكلمة وليتجرع مرارتها، ما يجعله فريداً ويعيش في بعدين مختلفين، هذا العالم الذي يعيش فيه، الآن، وبالطبع هو مستمتع به، والعالم المختلف الذي يقيم فيه دون أن يعرف به أحد، فلا أحد يمكنه التنبؤ به، حياة مزدوجة هذه التي يعيشها، دون أن يمس أحداً من حوله بسؤ.
يعرض كيف اشتاق اليها:
أَشْتَاقُ اليكِ فأنتِ الدَّواءَ لِقلبي
أَشْتَاقُ اليكِ وفِي الْعينَِِ دَمِعَةَ
أشتَاقُ اليكِ وَفِي السَّمَاءِ نَجْمَة
أَشْتَاقُ اليك وَفِي الْقلوبِ خَفْقَة
أَشْتَاقُ اليكِ وفِي الْبِحارِ مَوْجَةَ
أَشْتَاقُ اليك وَفِي الْحُقُولَ وَرْدَة
أيتُها الجميلة ألا تعلمينَ بِأن قُربكِ سعادةَ لا تُقدر بثمنْ
همسة منكِ تُعيد ترتيبيِ و لمسةَ منكِ تُبرىَ أوجاعي ..
فصوتُكِ غيم …
ونبراتُكِ مطر …
وعيناكِ نجمتان متوسطتان لـ ثغرُكِ الذي يُنير كالقمر…
حبيبتي أريد أن أرتديكِ فلم يعـد العناقُ كافياً ..!!
عرض شبل حبه في ممارسة الكتابة وجعل كل كلمة هي الكلمة الصحيحة، وكانت كل جملة وكل فقرة وكل صفحة منتظمة الوزن والإيقاع والنغم، في محاولة أن تكون كل قطعة في كتاب “نون” حكاية… في مواجهة من دون استسلام، وشكوى من غير إذعان، تمرّد على الواقع، بأبيات أودعها كتابه بعضاً من عبق روحه وصفاء نفسه.
فإياك أن تغمد قلمك، أو تخفض صوتك، إياك ان تترجل عن المنبر، أو تترك ميداناً، هذا هو التحدي الذي اتقن شبل فيه فعل الكتابة.
لو كانت الكتابة جريمة لكان فادي شبل مسجوناً، فعندما تأخذ الجمل والقصة عنده بالتدفق، بحسب قوله، سيقوم بمضاجعة الأرواح بالكلمة على الورق.
ومما يلحظه القارىء ان في خصائص شبل، على غرار الرومنطقيين، الصدق في التعبير، والجموح في الخيال، والدقة في الوصف. في أكثر القصائد أشار الى إيمانه العميق بالله وبخلود الروح.
من يطالع “نون” يجذبه بعض من كلمات قصيدة “روحي”: بكرا.. ع دفني لأ!! لا تروحي!! لكن ع مهلك لملمي جروحي ولكل نسمة بحبنا بوحي!!
يبدو تأثر الشاعر فادي شبل بأمير شعراء العرب ميشال جحا واضحاً، الذي لا اعرف ماذا أقول عن شاعرنا الكبير جحا؟ وكيف أبدأ حديثي عنه؟ وماذا عسى أن أضيف إليه؟ ندرك أننا أمام عملاق في عالم الثقافة اسمه “ميشال جحا” وبحر من بحور العلم والمعرفة ذا مخزون فكري ضخم مغلف بتواضع انساني وأخلاق عالية تزيده شموخاً وتألقاً… فتحية لهذا الانسان الرائع الذي هو مدرسة في العطاء وحب البذل في سبيل المبدأ…
لا بد من الاشارة الى ان وعي الشاعر مثل شعاع من الضؤ ينير أشياء عدة في وقت واحد، الحب، سر الحياة، النار، التوبة، القمر، الأم، الزمان، الخ… موضوعات تتفتح مثل أزهار تبللها الروح الحانية فتلقي كل منها حمولتها.
وينبغي أن نذكر هنا كيف اراد ان يقاتل لأجل عينيها في “نون حكاية نبض”
قبلة لأجل الحب …
و قبلة لأعلّمُ شفتيّ أبجدية النعومة …
فأنا المتيّم في مِحراب ناصية الحلم …
و سأقاتل لأجل عينيّكِ النجومة…
ختاماً نقول للشاعر فادي شبل، أملنا أن تكون مستمراً في الاجتهاد، كما هو معروف عنك، لتحقق ما تصبوا اليه… وبالله ولي التوفيق