محطات نيوز – في شعر الشاعر ابراهيم الجريفاني تكثر اللغة والكتابة والقصيدة والفكر والنصّ والمعنى، وكل ما له علاقة بالكلمة والحرف…
إذا كان من كلمة حق نقول إنه من الصعوبة بمكان تعريف من هو معروف، أو ان تصف بكلمات من هو ذائع الشمائل والخصال، فالأمر يختلف مع الشاعر ابر اهيم الجريفاني، ذلك الرجل الذي يتدفق حماساً ونشاطاً، والمبدع أفكار، سرعان ما يحولها الى حقائق، دؤوب لايعرف الكلل ولا الملل، والذي استطاع أن يجمع كوكبة من مفكري وشعراء وشاعرات من أقطار عديدة في العالم العربي، ليؤكدوا بمعيته انهم رسل نهضة وتنوير. كتابات وندوات ومؤتمرات عبروا فيها ايمانهم برسالتهم الثقافية، التي تجمع ولا تفرق، توحد ولا تشتت، في يومنا هذا، فتضيف أعمدة للثقافة الحديثة.
أطل علينا الجريفاني من خلال ديوانه (شوق المشتئق) بنصوص براقة متباهية، يميزها بهاء الحلة ودقة الصنعة. نصوص تجذب السمع والبصر والفؤاد. لا انفصال ولا انفصام في الكلام المنتقى المطرّز أوشحة فوق صفحات ديوانه عن الحب والمحبة.
تأتي كلمات الشاعر الجريفاني المرهف، المشغوف بالشعر، لتكمل المسيرة الشعرية، وتعبّر بالخطوط والملامح عن مكنونات وشعر متوهّج وضّاء. فتتقاطع قصائده مقاطع، تتحاور فيها الكلمات، تتطابق المعاني، وتتجانس المواقف.
ففي قصيدته “أريج رائحتك” ص 213: الجمل مشاتل جماليات… يقول فيها: ترددت في قطفك، زهرة دعتني.. بين ورود بستان الحياة.. اتوق لأريج رائحتك.. التي اعتدتها، عدت لأقطف من لورد أوراقه.. ورقة ورقة.. نثرتها على جسدك.. زينّت بها خصلات شعرك.. إمتزج أريجها وعطر مسامك…أحالني لثمالة النشوة.. عرفت معها سكرة الحب.. غبت في اللاوعي.. افقت في قبلة الحياة للحياة.
هنا تشهد القصيدة على شاعرية الجريفاني، وفيها الرقة واللين والخاطر الصريح؛ الحاناً داخلية تسري في السماع مع النص، للفرجة والحسن في الخاطر والومض في البال..
في قصيدة (وتاااه العنوان) ص 57 يقول:
أبحث عنواناً… أعرفه لم أدونه… دونته على ذات الهواء فبعثره الهوى.. أشم رائحة المطر.. إستجابة السماء.. ترانيم استغاثة الاشتياق.. لتعيد طفولة أفتقدها.. وتاااه مني العنوان..
نلاحظ ان المكان هو المحور ويأخذ بمشاعرنا من داخلنا لا من الخارج… وفي خيال الجريفاني الخصب، يرى المكان أمكنة، لأنه يبحث عن عنوان يعرفه ولم يدونه، فحلق خارج المحسوس والملموس، الى المجازات الخصبة في حميمية روحية ونظرة ما ورائية، وشغف قلبي محموم، ليستعيد طفولة افتقدها متغلغلة فيه حتى المسام، ويؤكد لنا أن الأمكنة تمائم نحملها، فنشعر بالأمان…
دائماً الشاعر ابراهيم الجريفاني يزرع النبض في عروق الحياة.. فهو شاعر يشق النور من قلب الليل، ويغمض عينيه لينعم بشعشعة المحبة التي كما ذكرها في البدء كانت وستظل… ففي شعره تكثر اللغة والكتابة والقصيدة والفكر والنصّ والمعنى، وكل ما له علاقة بالكلمة والحرف… انها أدواته الأساسية في بناء عمارته الشعرية، وجسور ابتداع المختلف في سياق القصيدة..
الشاعر ابراهيم الجريفاني أستاذ في ترصيع الكلام وهندسة العبارة، ومطاردة المعاني… يشتغل على اللغة العربية يفككها… ويفصّلها جملاً ومفردات، ثم يعيد تركيبها فيبثها من روحه، ويجبلها في معدن التطور والحداثة ويدفع بها الى آفاق المستقبل، محررة من مأزق الآنية..
ابراهيم الجريفاني شاعر شفّاف، تظهر كلماته المعاني، ولا تبطن الإبهام… فإمتازت قصائده بالوضوح النسبي في زمن الغموض الطاغي على شعر الحداثة، المصطنع في معظم الأحيان، والبعيد عن مخزونات اللاوعي الإنساني…
نعم صدق في كلامه المفكر اللبناني وهيب كيروز، حامي تراث جبران خليل جبران ومدير متحفه في بشري. في تسمية واعطاء لقب الى الشاعر ابراهيم الجريفاني (شاعر الحياة في عرائها)…
عماد جانبيه