حرْبٌ عالميّةٌ أولى وما نتَجَ عنها منْ تداعياتٍ على الصّعيدِ العالَميِّ منْ إلغاءِ كياناتٍ سياسيّةٍ وامبراطورياتٍ وإنشاءِ “عصبة الامم”، لتَسوِّسَ العالَم بعْدِ اِنتهاءِ الحرْبِ العالميّة الأولى عامَ 1918 ولنْ ننسى هنا أنْ نذكُرَ اِنتشارَ وباءِ “الاِنفلونزا الِاسبانيّةِ” في أعقابِ نهايةِ الحرْبِ، وصُنِّفَتْ على أنَّها جائِحةٌ عالميّةٌ. وَقدْ حصَدَتِ الكثيرَ مِنَ الأرواحِ بالإضافةِ إلى كارثةِ الحرْبِ، وأُسِّسَتْ نتائجُها لحربٍ أُخرى طالَ اِنتظارُهَا.
اِندلعَتِ الحرْبُ العالميّةُ الثَّانيةُ في عامِ 1939 واِستمَرَّتْ حوالي 6 سنوات، واِنتهَتْ في عامِ 1945، ومِنْ تداعياتِها الكُبرى تحوُّلٌ كبيرٌ في النِّظامِ العالَمِيِّ.
حيثُ قُسِّمَ العالَم إلى قسمَيْنِ:
الأول: شيوعيّ اشتراكيّ بزعامةِ الاِتّحادِ السُّوفياتي اُسِّسَ على إثْرِهِ “حلفُ وارسو” الّذي كانَ عبارةً عنْ معاهدةِ صداقةٍ وتعاونٍ. وهوَ منظّمةٌ عسكريّةٌ لدولِ أوروبا الوسطى والشّرقيةِ الشّيوعيّةِ..
وفي عامِ 1973 ومع إعلانِ الدُّوَلِ الأعضاء في منظَّمَةِ الدُّوَلِ العربيَّةِ المصدّرةِ للبترولِ *أوبك* بإعلانِ حظرٍ نفطّيٍّ ضدَّ الغربِ لدفعِهِمْ لإجبارِ إسرائيلَ على الانسحابِ منَ الأراضي العربيّةِ إبّانَ حرْبِ 1973.
وبما أنَّ معظمَ الاقتصاديّاتِ الصّناعيّةِ الغربيّةِ، تعتمِدُ على النّفطِ الخامِ، ومنظّمةِ “أوبك” مصدرُها الأساسيّ أدّى ذلِكَ إلى كبْتِ النّشاطِ الاقتصاديّ بشكلٍ كبيرٍ، وأقدمَتْ دولُ أوبك على تأميمِ شركاتِ البترولِ في بلدانِهِمْ، وهكذا انتجَتْ هذِهِ الأزمةُ إلى فوضَى أسعارٍ، ممّا أفقَدَ بورصةَ نيويورك للأوراقِ الماليّةِ مبلغَ 97 مليارِ دولارٍ في قيمةٍ أسهمَها بفترةٍ وجيزةٍ.
وهنا اُطلِقَ مصطلحُ دولِ (البترو دولار).
وبعدَ انتهاءِ الحرْبِ الباردةِ، وتوالي الحروبِ الكثيرةِ الّتي اجتاحَتِ العالَمِ، وأدَّتْ إلى كوارثَ إنسانيّةٍ، وإلى سيناريوهاتِ محضّرةٍ لتغييرِ أنظمةٍ في دولٍ وسحقِ دولٍ أخرى، وعمِلَتِ العولمةُ الّتي سيطرَتْ علَى العالَمِ، إلى إطلاقِ ما سُمِّيَ حروبُ السّيادةِ والحرّيّةِ، وتحقيقِ الدّيمقراطيّةِ للشّعوبِ، وتحتَ شعارِ مُحاربةِ الإرهابِ، نشطَتِ الحروبُ المُسبقةُ، فانتشرَ مُسمَّى *الفوضَى الخلّاقةِ* منْ أجلِ الحرّيّةِ والّتي كانَتْ هدّامةً للإنسانيّةِ، ممّا أتعَبَ الشُّعوبَ، وهجرَها وأصبحُوا في أوطانِهِمْ لاجئِينَ.
وهذا إنْ دلَّ على شيْءٍ فهوَ يدُلُّ على فشلِ النّظامِ العالميِّ، بنشرِ العدالةِ الأمميّةِ في العالَمِ، واستندَتِ الدُّوَلُ العُظمى وخاصّةً أميركا على مختبراتِها التّكنولوجيّةٍ، والجرثوميِّةِ على تطويرِ الحياةِ الإنسانيّةِ وقوقعتِها ضِمْنَ شبكاتٍ عنكبوتيّةٍ يسهُلُ التّحكُّمُ بِها عنْ بُعْدٍ.. وقدْ كانَتِ النَّتيجةُ كمَا في كلِّ 100 عامٍ تقريبًا. انتشرَ وباءُ جائحةٍ ككُلِّ الأوبئةِ السّابقةِ الّتي كانَتْ عندما تحلُّ تفتُكُ، وتهدِمُ لتُمَهِّدَ لتغييرٍ ما مُحتمَلٍ على صعيدِ العالَمِ.
فالوباءُ ضرَبَ اُسُسَ النّظامِ العالميِّ الحاليّ، بِغضِّ النّظرِ عنْ كونِهِ (مُفتعلًا أو طبيعيًّا)، فلقدْ ظهرِتْ هشاشةُ الوضعِ الإقتصاديِّ العالميِّ، ومدَى استهتارِ حاكِمِ هذا العالَمِ بالبُعدِ الإنسانيِّ للبشريّةِ والصِّحِّيّ، وحتَّى أنه قد تبيَّنَ شدّةَ اهتزازِ بعدِهِ الماليِّ ممّا سيُبرّرُالتّحوّلَ الجديدَ في كينونةِ هذا النّظامِ العالميِّ الهشِّ، والّذِي كمَا هوَ واضحٌ، قدْ حُضِّرَ لَهُ مِنْ قِبَلِ الدّولةِ العميقةِ في الولاياتِ المتّحدةِ الأميركيّةِ، بإيصالِ الرّئيسِ الأميركيِّ الحاليِّ إلى البيتِ الأبيضِ، وإعلانِ حربٍ اقتصاديّةٍ على كلِّ العالَمِ، تقريبًا وبالذّاتِ بنى استراتيجيّةً عمِلَتْ على إعلانِ الحربِ التّجاريّةِ والاقتصاديّةِ على الصّينِ، وأقدَمَ على إجبارِ دولِ الخليجِ وتحديدًا “المملكة العربيّة السعوديّة” على دفعِ مبالغَ طائلةٍ، تُقدَّرُ بملياراتٍ منَ الدُّولاراتِ بهدفِ تسديدِ فاتورةِ الحمايةِ الأميركيّةِ لهُم ولثرواتِهِمِ النّفطيّةِ، وهيَ خطوةٌ تكرّرَتْ عِدّةَ مرّاتٍ ممّا يُؤشِّرُ إلى إمكانيّةِ تكرارِها أكثرَ منْ مرّةٍ مُستقبَلًا، وهكذا يكونُ “ترامب” قد جنى أرباحًا مادّيّةً طائلةً مُسبقةً منَ النّفطِ الّذي يحميهِ، وقدْ تزامَنَ كُلُّ هذا (الحروب الاقتصاديّة والمال الخليجيّ).
مع إطلاقِ فيسبوك من ضمنِ مشاريعِها العملاقةِ مشروعًا كونيًّا يُؤسّسُ لكينونةٍ اقتصاديّةٍ عالميّةٍ جديدةٍ وفريدةٍ اُطلِقَ عليها اسمُ *ليبرا* لكنَّهُ لمْ يُبصرِ النّورَ إلّا في بدايةِ عامِ 2020، واستنادًا إلى كلِّ الأحداثِ والكوارثِ والتّناقضاتِ في العالَمِ، مع ما صاحبَها منْ سباقٍ محمومٍ في العالَمِ للسّيطرةِ على منابعَ الطّاقةِ، وعلى الممرّاتِ الاستراتيجيّةِ، وعلى المعابرِ الاستراتيجيّةِ الملِحّةِ للدّولِ الكبرى ومع الكسَادِ الاقتصاديِّ والماليِّ الّذي خلّفَتْهُ هذِهِ الأحداثُ الكُبرى، وإذا ما أضفْنا علَيْها جائحةَ “كورونا “الّتي أسقطَتِ الكرةَ الأرضيّةَ بالضربةِ القاضيةِ.
بما أنَّ النَّظامَ الأمميَّ الحاليَّ، قدْ اهتزَّ منْ جرّاءِ الجائحةِ الوبائيّةِ “كورونا”وهو برأي العديدِ منَ الخُبَرَاءِ آيل إلى التَّصدُّعِ مِمَّا سيُؤدّي لاحقًا إلى تغييرٍ كيانيٍّ في خريطةِ النِّظامِ العالميِّ، مِمَّا سيفِقدُ أميركا السّيطرةَ المُطلقةَ
على هذا الكونِ، ويُمكِنُ إنّها ستكونُ مُجبَرةً على مشاركةِ دولةٍ أو أكثرَ استنادًا إلى البُعْدِ الاقتصاديِّ المُرْتكَزِ على التّنميةِ البشريّةِ، وعلى تقنياتِ المعرفةِ المُعتمَدةِ على الذَّكاءِ الاصطناعيِّ، لكلِّ دولةٍ ومدّةِ تعافي اقتصادِها، بعدَ هذا الانهيارِ الحاصلِ.