وحيدة إمها – بقلم كريستيان بلان الخاروف

محطات نيوز – نادت ابنتها حسناء تريد سؤالها أمراً مهمّا، وقد اجرت حساباتها واعتمدت على وعي ابنتها وقدرتها على تفهّم الحياة ومتاعبها ومشقّاته. حضرت حسناء أمامها تقف متمنّية أن يكون خبراً سارًّا أو مالاً تتفضّل به أمّها عليها. نظرت في وجه أمّها تترقّب ما ستسمعه والأمّ في حالة جمود غريب يعجز قلبها عن الإفصاح عمّا يخالجها من مشاعر الغضب والإنكسار؛ مشاعر مزّقت أوصالها وضيّقت عليها فسحة وجودها وحاصرت فتحات تنفّسها وأغلقت قنوات نبضها… يرفض لسانها النّطق بكلمات تتلاعب بعقلها ترسلها تارة إلى الجنّة وطوراً تحرقها في الجحيم. وحسناء تنتظر معرفة سبب مناداة أمّها لها وتتساءل لم قطعت عليها أمّها جلستها الحميمة على الهاتف؛ وما هو ذاك الأمر المهمّ الّذي يجعل من والدتها هذا الصّنم القابع في صمت خطير؛ ما فيه غير عينين تسبحان بالدّموع ودموع ترفض الظّهور! ولأنّها “تعبت”, قالت الأمّ لإبنتها حسناء : “لم أعد أستطيع حمل الحمل وحدي!”  تابعت لتسأل ابنتها إن كانت على إستعداد لمساعدتها في واجبات الحياة مكلّفة إيّاها بأسهلها وأبسطها كي تتمكّن هي من حمل الأثقل: ” هل أنت على استعداد للقيام بالواجبات المنزليّة في عطلة نهاية الأسبوع؟ فتزيلين بذلك عنّي عناء العمل داخل وخارج المنزل؟ “وتجيب الفتاة بسؤال استفساري: “لا لم عليّ ذلك؟ ناديتني لتقولي لي أن أقوم بالأعمال المنزليّة في عطلة نهاية الأسبوع؟ “غضبت الأمّ، غير متوقّعة جواباً كذاك الجواب من ابنتها الوحيدة، وتفجّرت في حلقها صخرة حزن تناثر غبارها في أرجاء جسدها.

تنهّدت لتحفظ هدوءها وتتمسّك بأمومتها والمونة الّتي تتأمّل بها كلّ أمّ على ولدها في حالات التّعب والإنهاك…. قالت: “عرض عليّ عمل على مدار شهرين في عطل نهاية الأسبوع وعليّ بالرّد قبل نهاية الأسبوع هذا. فإذا أردت ما يعود عليّ به هذا العمل الإضافيّ عليك بمساعدتي. لا أطلب الكثير، عمل منزليّ ليوم واحد في عطلة نهاية الأسبوع.”

إنقلب وجه حسناء واسودّت ملامحها وبدت ظواهر عدم الموافقة على اقتراح أمّها أو بالأحرى على طلب أمّها الواضح والصّريح بالمساعدة وتحمّل المسؤوليّة. لا تغفل عينا الأمّ ولا قلبها عن قراءة ردّة فعل حسناء السّلبيّة لو لم تنطق الفتاة بالرّفض مباشرةً  فتبادر الأمّ بالكلام موضحة موقفها معترفة بعدم قدرتها على مواظبة العمل داخل البيت والقيام بواجبها ولا العمل خارج البيت والقيام بالواجب العام فإنّما هذا وإمّا ذاك .

وتضيف الأمّ بكلّ صراحة ومن نبع جفّ وفرغ: “عشرون عاماً وأنا أعمل لتأمين حاجاتكم …ولم أتذمّر… ولست أتذمّر لأتذمّر الآن  ولكنّ الأمر هو أنّ جسدي تعب وقلبي منهك وروحي حرقى وعقلي مفتّت… وما أنا لأطلب الكثير من ابنتي الوحيدة! سألتها المساعدة ليوم واحد وعلى راحتها في منزل والديها بينما أنا أعمل خارجاً في الدّوام وأتحمّل مسؤوليّة العمل والتّعب لأعود محمّلة بما يكفي لتلبية حاجاتها دون إخوتها الذّكور!   فما هو رأيك؟ عليّ بالرّدّ قبل نهاية الأسبوع. فإمّا تساعدينني وإمّا تقبّلين مردود هذا العمل الإضافيّ مودّعة !ّ

ساد الصّمت الأجواء وحلّ الهدوء للحظة ! كانت للأمّ كما لو أنّها دهر من العذاب والإنتهاكات.  لكنّها حافظت على رباطة جأشها والتزمت الصّمت تنتظر جواب ابنتها. قلبها يترجّى أن ترحمها حسناء وتدعوها للمكوث في المنزل والرّاحة وتغنيها بذلك عن العمل الإضافيّ. وتطمع مشاعرها وتمتدّ نحو رغبة في أن تكرّمها ابنتها الوحيدة وتقوم عنها بواجب المنزل ليوم واحد فتتحقّق أمانيها بيوم واحد من الرّاحة من عشرين عاماً إلى لحظة السّكون تلك الّتي سادت الغرفة. وتنطق حسناء الجوهرة: “اذهبي للعمل. “تسألها أمّها: ماذا قررت؟

 “اذهبي للعمل”

 تعيد أمّها السّؤال علّها لم تسمع الجواب الصّحيح: “ماذا قرّرت؟”  وبكلّ دم بارد وحزم عادت تجيب حسناء: ” اذهبي للعمل”.

وتدير الفتاة ظهرها مخلّفة وراءها والدة مكسورة الخاطر، منحنية الظّهر، مهدودة القلب، لتعود إلى هاتفها الخاص وحديثها الحميم …

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إضغط هنا

أحدث المقالات