محطات نيوز – ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الأحد في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي، عاونه فيه المطران عاد ابي كرم، أمين سر البطريرك المونسينيور نبيه الترس، وحضره حشد من المؤمنين.
العظة
بعد الانجيل المقدس ، ألقى الراعي عظة بعنوان “سار يسوع في كل الجليل يكرز ويشفى وأتاه أبرص”، قال فيها: “سار يسوع نحو الناس في قرى الجليل يعلم كلام الله في المجامع لإنارة العقول والإرادات والضمائر، ويشفي الناس بطرد الشياطين الذين يتسببون بأمراضهم الجسدية والروحية. وها أبرص آمن بقدرة يسوع ومحبته، من بعد أن سمعه يعلم، وأدرك أن يسوع هو المسيح الآتي صانع الرحمة. فأتى إليه وجثا على ركبتيه وأعلن إيمانه والتمس الشفاء، بصلاة وجيزة: “إن شئت، فأنت قادر أن تطهرني”(مر 1: 40).
وتابع: “يسوع المسيح هو هو أمس واليوم وإلى الأبد(عب 13: 8)، حاضر بيننا، معنا ومن أجلنا. ينبغي على كل واحد منا، وعلينا كجماعة، أن نذهب إليه، مثل الأبرص بإيمانه، ملتمسين منه أن يطهرنا من خطايانا وميولِنا المنحرفة، من الأنانية وحب الذات المفرط، من الكبرياء وروح الانقسام، هذه التي تشوه صورة الله فينا، وتمزق علاقات الشركة والمحبة بين الناس”.
أضاف: “يسعدني أن أرحب بكم جميعا، وقد أتينا كلنا لنلتقي المسيح مخلصنا وفادينا، الحاضر معنا بأكثر من حالة: في كلمة الإنجيل التي سمعناها، وفي هذه الذبيحة المقدسة التي نحتفل بها ونقرِبها لله تكفيرا عن خطايانا، وفي جسده ودمه الذي نتناوله لتقديس نفوسنا. نرجو ان يكون نصيبنا نصيب الابرص ونخرج من هذا اللقاء مطهرين منقين. انني أحيي من بين المشاركين معنا سفير لبنان في ايطاليا، سعادة محافظ الجنوب وسعادة قائمقام كسروان، والصحافيين الأجانب، التابعين للمنظمة الألمانية Kirche in not ، التي تساعد الكنائس المحتاجة بمشاريع إنمائية واجتماعية وراعوية. وإنها مناسبة لكي نعرب للقيمين على هذه المنظمة الخيرية المانحة وللمحسنين عليها، عن شكرنا وامتناننا للمشاريع التي تساعد على تحقيقها في لبنان عبر اللجنة الأسقفية لخدمة المحبة المعنية بالتنسيق بين المؤسسات ومنها هذه المنظمة وأمثالها، من أجل تحقيق المشاريع الإنمائية والاجتماعية والراعوية”.
وتابع: “أرحب أيضا بوفد الكتيبة الاسبانية العاملة في جنوب لبنان ضمن القوات الدولية المؤقتة UNIFIL برئاسة الكولونيل Louis Martines Vicera ، اننا نحيي القوات الدولية والدول التي تتمثل فيها شاكرين لها تضحياتها من اجل حفظ السلام في لبنان. وارحب بأهلنا الآتين من بلدتي حملايا، وعلى رأسهم رئيس المجلس البلدي ومختار البلدة ومجلسيهما، وقد دشنا معهم ومع راعي الأبرشية المطران كميل زيدان كنيسة مار جرجس القديم، وهي كنيستنا الرعائية، بعد ترميمها وتكبيرها بإضافة عقد حجري ثالث، فأتت بهية بجمالها ولائقة ببيت الله. نسأل الله، بشفاعة القديس جرجس، أن يكافئهم وجميع المحسنين بفيض من نعمه وخيراته”.
وقال: “زمن الصوم الكبير هو زمن اللقاء الشافي بيسوع المسيح. نرفع إليه صلاة الالتماس مثل الأبرص: “إن شئت، أنت قادر أن تطهرني”(مر1: 40).
في رسالتي الراعوية للمناسبة، أتكلم عن الصوم “كمسيرة روحية نحو الله والإنسان”.
المسيرة نحو الله تقتضي: سماع كلام الله الحي والمنير للضمائر والعقول ، ولا سيما من خلال الرياضات الروحية التي تقام في مختلف الرعايا، والمواعظ عبر وسائل الإعلام، تكثيف الصلوات المقرونة بالتوبة عبر سر الاعتراف والمصالحة، الصوم والإماتة تكفيرا عن الخطايا الشخصية وترويضا للارادة على مقاومة التجارب والأهواء”.
أضاف: “أما المسيرة نحو الإنسان فهي شد أواصر المحبة والوحدة والتضامن بين الجميع، والتعاون على توفير الخير العام، والقيام بأفعالِ ومبادراتِ محبةٍ ورحمة تجاه الإخوة والأخوات الفقراء والمرضى والمعوزين، في مختلف أنواع حاجاتهم المادية والروحية والتربوية والصحية.
هذه الأفعال واجبة علينا جميعا من باب العدالة أولا، لأن الله رتب خيرات الأرض لجميع الناس. فعندما نعطي فقيرا، نحن لا نحسن إليه، بل نرد له ما هو حقه. ولهذا السبب، يجب تنظيم خدمة المحبة الاجتماعية، لكي تكون شخصية وجماعية، وبشكل مستمر لا موسمي. وهي واجبة لاهوتيا لأن الفقراء والمرضى والمحتاجين يحتلون مكانا خاصا في قلب الله. فقد تماهى المسيح معهم وسماهم “إخوته الصغار”، مؤكِدا أن ما نصنعه لأحدهم، إنما نصنعه له (راجع متى 25: 35 و40). وفيهم تتواصل آلام المسيح من أجل فداء العالم. وهي واجبة روحيا، لأنها تنال لنا مغفرة الله لخطايانا وتطفئها، مثلما يطفئ الماء الحريق(راجع بن سيراخ 3: 30)”.
وتابع: “سار يسوع في كل الجليل يكرز ويشفي”(مر1: 39). لقد أتى الله إلينا “وسار” نحونا بشخص يسوع المسيح، ابنِ الله المتجسد. صار إنسانا مثلنا في كلِ شيءٍ ما عدا الخطيئة. فعقله ولسانه لم يقل إلا الحقيقة. وإرادته لم تفعل إلا الخير. وقلبه لم يعرف إلا الحب والرحمة والغفران. “سار” نحو الخطأة والمرضى والمهمشين يكرز بإنجيل الخلاص، ويشفي من كل علةٍ ومرض.
علينا أن نبادله المبادرة “فنسير” إليه بإيمان ورجاء وحب. نقبله في قلوبنا، نعيش في شركة اتحاد معه، نبادله الحب، فيغني حياتنا بوجوده، ويزرع فينا السعادة والسلام. ويدعونا بعد ذلك “لنسير” نحو جميع الناس بروح الشركة والوحدة. كم من مرة سمعنا قداسة البابا فرنسيس يدعو الكنيسة، بكل أبنائها وبناتها، برعاتها وشعبها ومؤسساتها، لتكون في حالة خروجٍ دائم نحو الآخر والآخرين بروح الخدمة! وهو يردد في ذلك كلمة الله لكل واحد من أنبياء العهد القديم: لموسى “إذهب، أنا أرسلك”(خروج 3: 1)، ولإرميا “إذهب إلى كل الذين أرسلك إليهم”(إرميا 1: 7). ويردد أيضا كلمة الرب يسوع لرسله: “إذهبوا إلى العالم كله وأعلنوا إنجيلي للخليقة كلها”(مر16: 15؛ متى 28: 19). إنه يدعونا للخروج من الذات وراحتها ودائرةِ تفكيرها ومصالحها نحو من هم في ضواحي الحياة وعلى هامش المجتمع(راجع إرشاده الرسولي: فرح الإنجيل، فقرة 20)”.
وقال: “إحتفل العالم أمس “باليوم العالمي للمرأة”، الذي يرقى الاحتفال به عالميا إلى سنة 1977. فرأينا وسمعنا معاناة النساء اللبنانيات، في مظاهرة حاشدة جدا، يطالبن بإقرار قانون ضد العنف الأسري يحمي كرامة المرأة وحقوقها. إن الكنيسة تضم صوتها إليهن، وتطالب بإلحاح كل الدول وبخاصة الدولة اللبنانية إقرار هذا القانون، إحتراما لكرامة المرأة عامة والزوجة خاصة. والكنيسة تشجب باستمرار العنف المنزلي ضد المرأة بكل أشكاله الجسدية والجنسية والمعنوية والنفسية، وقد طالبت دائما بتشريع يحميها في كل مناسبة دولية، ولا سيما في المؤتمر العالمي الرابع حول المرأة الذي انعقد في مدينة Beijing بالصين من 4 إلى 15 أيلول 1995، ونظمته الأمم المتحدة. فأقر المؤتمر إقرار مثل هذا القانون المطالب به في كل الدول. من واجب لبنان، الذي هو عضو مؤسس في منظمة الأمم المتحدة، ان يكون السباق الى إصدار تشريع لحماية المرأة من العنف الأسري”.
وتابع: “عندما أصدرنا “المذكرة الوطنية”، ورأى فيها الكثيرون “خريطة طريق”، أردناها عهدة كنسية بين أيدي المسؤولين السياسيين ولا سيما المشاركين في الحكومة الجديدة والكتل السياسية المتمثلة فيها. يمكن هذه “المذكرة” أن تسهم في الخروج من النقاط الخلافية التي تعطل الى الآن صدور البيان الوزاري، وقد شارفت مهلته الدستورية على نهايتها.
إننا، في ضوء كلام الإنجيل اليوم، ندعو المسؤولين السياسيين “للخروج” من دائرة مصالحهم الخاصة والفئوية، “والسيرِ” نحو خير البلاد العام والمسؤوليات الخطيرة: الاقتصادية والمعيشية والأمنية. إن نقاط الخلاف التي تحول دون إنجاز البيان الوزاري لا تتقدم على المصلحة الوطنية العليا، ولا على الميثاق والدستور بجوهرهما ومبادئهما، ولا على انتظام المؤسسات الدستورية وبناء الدولة العادلة والقادرة والمنتجة (راجع المذكرة الوطنية، الفقرتين 17 و 21)”.
أضاف: “إن المسيرة الأهم التي تطلب من الحكومة الجديدة هي تحضير الأجواء والمستلزمات لانتخاب رئيسٍ جديد للجمهورية في الموعد الدستوري. فانتخاب الرئيس هو الشرط الأساس الذي من دونه لا حضور للدولة ولا انطلاقة لها نحو المستقبل، لأنه بمثابة الرأس للجسد. وكم هو معيب ومهين للكرامة الوطنية أن نسمع من يتكلم بالفراغ وباحتمال عدمِ انتخاب رئيس جديد للجمهورية في وطن ديموقراطي مثل لبنان، تداول السلطة فيه يعطيه ميزة خاصة! في بيئتنا العربية لكن الأمل وطيد بأن الحكومة الجديدة قادرة، مع أصحاب الإرادات الوطنية الطيبة، على رفع هذا التحدي، وإهداء البلاد رئيسا جديدا، يسير بها نحو الاحتفال الكبير واللائق بالمئوية الأولى لإعلان دولة لبنان الكبير، متوِجا به عهده سنة 2020”.
وختم الراعي: “فليبق لنا الرب يسوع مثالا في السير نحو الآخر لإسعاده، كما فعل مع الأبرص وجميعِ الناس، وليبق الأبرص أيضا مثالا لكلِ خاطئ، وكلنا مخطئ، في البحث عن يسوع والارتماء أمامه بإيمان والتماس الغفران والشفاء، بواسطة خدمة الكنيسة المؤتمنة على سر التوبة والمصالحة. فنرفع، بابتهاج، نشيد المجد والتسبيح، ونقدم ذبيحة الشكر لله الواحد والثالوث، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين”.