محطات نيوز – نظمت كلية الحقوق والمعهد العالي للعلوم السياسية والإدارية في جامعة الروح القدس – الكسليك حلقة نقاش ترأسها وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، حول موضوع الاغتراب اللبناني، في حضور رئيس الجامعة الأب هادي محفوظ، أمين عام الجامعة الأب ميشال أبو طقة، عميد كلية الحقوق الأب طلال الهاشم، مدير المعهد العالي للعلوم السياسية والإدارية د. جورج يحشوشي، إضافة إلى وفد من الوزارة وأعضاء مجلس الجامعة والأساتذة والطلاب.
الأب محفوظ
بداية، ألقى الأب محفوظ كلمة ترحيبية، أشار فيها إلى أهمية هذه الحلقة التي تتيح للطلاب فرصة التواصل مع الوزير باسيل حول موضوع هام، منوّها بالجهود الدؤوبة التي يقوم بها معاليه، وبجدارته في كل الملفات التي يتولاها، فضلاً عن ذكائه وصلابة إنتمائه للوطن، مع الانفتاح على الآخر.
باسيل
ثم بدأ الوزير باسيل كلمته بالتشديد على أهمية هذه الفرصة التي وفرتها الجامعة لمناقشة موضوع يعني الجميع خصوصًا الجيل الناشئ، لأنه أكثر فئة في لبنان معرضة للهجرة.
ثم توجه إلى الطلاب متحدثًا عن نضاله لأفكاره السياسية والوطنية عندما كان طالبًا، الذي نمّى فيه في تلك المرحلة فكرة الثبات والعناد على ما يؤمن به، قائلًا “ما يمكن أن يبقينا في هذا البلد هو إيماننا به. حبنا له قائم لا يتغير وانفتاحنا على بلدان أخرى قائم أيضًا. إنما إيماننا بفكرة لبنان هو فريد ويشكل حاجة لنا كبشر، وهذا ما يجعلنا أكثر فأكثر متمسكين به وما جعل أيضًا المغتربين الذين تركوا لبنان من مئات السنين أن يحنوا إليه ويبقوا على علاقة وثيقة به”.
وأضاف: “لست بصدد أن أقدّم عرضًا علميًا اليوم عن موضوع الاغتراب، لكن نستطيع التفكير بمراحله وتطوره وأسبابه ولماذا وصلنا إلى هذه المرحلة اليوم. فلبنان لم يشهد يومًا بحبوحة اقتصادية وازدهار واستقرار نسبي إلا في فترة الستينات. فعدم الاستقرار الدائم في تاريخ لبنان كان يؤدي إلى هجرة اللبنانيين”.
ثم قدم الوزير باسيل جولة أفق سريعة عن تاريخ الهجرة اللبنانية، عارضًا لمراحلها الخمس. فأشار إلى “أن المرحلة الأولى كانت من العام 1840 إلى 1915، قبل تكوّن لبنان الكبير في عهد المتصرفية والقائمقاميتين، في مرحلة الحكم العثماني. وقد شهدت مجازر في العام 1840 و 1860، والمجاعة الكبرى سنة 1915 التي ترافقت مع الإبادة الأرمنية والإبادة التي تعرّض لها السريان والكلدان، التي طالت جبل لبنان ولبنان عمومًا وأدت الى هجرة كبيرة. وأسبابها واضحة ويمكن استرجاعها ولها خلفية أمنية حينها تتمثل في الاضطهاد العثماني الذي عانى منه لبنان. أما المرحلة الثانية فكانت من سنة 1915 إلى 1943، مع تكوّن لبنان الكبير وصولاً إلى الاستقلال، وقد شهدت هذه المرحلة نسبة هجرة مرتفعة”.
وأضاف: “والمرحلة الثالثة من العام 1943 إلى العام 1975 مع بداية الحرب اللبنانية، وفي هذه المرحلة انخفضت نسبة الهجرة قليلا. والمرحلة الرابعة من العام 1975 حتى 1990 مرحلة الحرب اللبنانية وكانت أسباب الهجرة الأساسية أمنية، إضافة إلى العوامل الاقتصادية. أما المرحلة الخامسة فهي مرحلة ما بعد انتهاء الحرب، مرحلة قيام الجمهورية الثانية ودستور الطائف. وكان من المفترض أن يشهد بعدها البلد الحد الأدنى من الاستقرار، خصوصًا في الفترة الممتدة بين عامي 1990 و2005، التي لم تلحظ العديد من الاضرابات الأمنية الدائمة. لكن في هذه الفترة تكثفت الهجرة وقد كان العامل النفسي السبب الأساسي، الذي جعل اللبناني يشعر أنه منسلخ نفسيًا عن وطنه، فانخفض إيمانه بدولة قادرة على حمايته وتؤمن له ظروف العيش الكريمة. وصولاً الى يومنا هذا، فمن مسبباتها الوضع الاقتصادي والسياسي الذي يعاني منه اللبنانيون بمختلف طوائفهم وانتماءاتهم… ”
وأكد الوزير باسيل: “إذًا الهجرة هي أمر اعتاد عليه اللبنانيون ولم يطرأ في مرحلة معينة. ويمكن هنا طرح السؤال التالي هل هي نعمة أم نقمة؟”، معتبرًا “أن لبنان بلد صغير وصغر مساحته وضآلة الثروات والموارد فيه هي التي أدت إلى عدم التوازن بين سكانه وهذه المساحة وبالتالي إلى الهجرة. هل يمكننا أن نتخيل عودة كل المغتربين إلى الوطن؟ هذه العودة إذا حصلت قد تؤدي حتمًا إلى مشكلة سكانية وخدماتية وغيرها… إذًا إن جزءًا من موضوع هجرة اللبنانيين يؤدي إلى خفض مشاكل وحل أخرى. كذلك هناك المعونة الكبيرة التي يقدمها المنتشرون للاقتصاد اللبناني الذي يمكن أن يقوم عليها”.
كما اعتبر أن “فوائد الاغتراب كثيرة منها قدرة انتشار اللبنانيين وتواجدهم واندماجهم في دول في العالم كافة. فنجاحهم يخدم فكرة لبنان الرسالة، وهناك تقدير كبير في العالم لهم… اللبناني بتنوعه وبحضارته استطاع أن يندمج ويبرع ويقدم النجاحات المتتالية في شتى القطاعات… وقد التقيت العديد من المسؤولين في العالم الذين أطلعوني على نجاحات اللبنانيين. كما استطاع اللبناني الشعور بالانتماء الوطني المزدوج: انتماء وعدم التنكر للبلد الأم وانتماء وعرفان بالجميل للبلد الذي انتقل إليه”، مشددًا على أهمية موضوع اندماج الشعوب بين بعضها البعض، ومؤكدا أن اللبنانيين لم تصدر عنهم أي مشاكل أينما تواجدوا في العالم، على العكس ساهموا في ازدهار البلدان المستضيفة وقدّموا الابداع والخير والأعمال جيدة… فهم لم يهاجروا كنازحين أو لاجئين على الرغم من تعرضنا للعديد من الحروب”.
ثم قدّم الوزير باسيل عرضًا سريعًا لخريطة تواجد المنتشرين اللبنانيين في كل قارات العالم وأعدادهم، مشيرًا إلى أنها “غير رسمية ودقيقة، وأن أحد أهم مظاهر عدم اهتمام لبنان بانتشاره هو عدم وجود رقم رسمي، حيث لم تكن هناك من قبل أي محاولة جدية لإحصاء أعداد المنتشرين. ففي ملفات وزارة الخارجية لا توجد أعداد أو برامج أو أرشيف خاص يمكن اعتماده… فالأرقام الموجودة في هذه الخريطة هي مستقاة من سفاراتنا في الخارج ومراجع أخرى ككتب أو أرقام متناثرة عثرنا عليها في مديرية المغتربين أو في أدراج الوزارة أو من مراجع إلكترونية وهذه الأرقام تتفاوت بين مرجع وآخر…”
وخلص باسيل إلى “أننا اليوم أمام ثروة لبنانية حقيقية بشرية واقتصادية، يجب التعاطي معها بجدية للاستفادة منها وإغناء لبنان بها وإغنائها بانتمائها للبنان ولنحافظ على لبنانيتهم وعلى هويتنا، لأن أخطر ما نتعرّض له اليوم هو فقدان الهوية في ظل هجمة من اللالبنانيين إلى لبنان وإرادة تطبيع هذا الوضع داخل لبنان مع تواطؤ دولي. فمن مسؤوليتنا طرح هذه الأمور ومعالجتها لدرء الخطر عنا. نحن نشهد موجة نزوح إضافية متزايدة من غير اللبنانيين الذين ينافسون اللبنانيين في لقمة عيشهم في المجالات كافة. فيشكلون بالتالي خطرًا لأن اليد العاملة لديهم أرخص ولا يدفعون الضرائب كاللبنانيين ويحظون بمساعدات من المنظمات الدولية”.
وأضاف: “إن أجحف ما يتعرض له اللبنانيون اليوم يتمثل في هذه الموجة من النازحين الذين يأخذون الفرص من أمام اللبنانيين”، لافتًا إلى “أن قسمًا منهم يخالف القوانين ويعمل دون إجازة عمل، مع حصولهم على مساعدات دولية للسكن والتغذية والتعليم والصحة… وكلها أمور ممنهجة ومنظمة، وهذا ما يشجعهم على البقاء في لبنان وفي الوقت نفسه هناك مباركة لتهجير اللبنانيين من قبل بعض السفارات… وهذا أيضًا ما يفرّغ لبنان من أشخاص لديهم الطاقات والهوية اللبنانية ليحلّ محلهم أناس آخرين”.
وشدد على “أن ما نتعرض له اليوم يقتضي منا تصرف استثنائي لمواجهته بعدة وسائل منها الاهتمام بالاغتراب اللبناني ومحاولة إعادة ربط المنتشرين ببلدهم لبنان، من خلال إعطائهم الجنسية وحقهم بالمشاركة في الحياة السياسية والاقتراع، إضافة إلى حوافز تشجعهم للعودة الى لبنان وأمور أخرى تأتي تدريجيًا على كافة المستويات الاجتماعية والثقافية والسياحية… وهذا يبدأ باعتراف لبنان بهم. فمن واجباته السعي وراءهم. ومن هنا أهمية إعادة الجنسية لهم، كونها مؤشرًا أساسيًا إذا كنا معنيين بالمحافظة على هويتنا، في ظل ما نتعرض له من هجمة خارجية لتهجير اللبنانيين”.
كما تناول قانون الحصول على الجنسية اللبنانية الذي تقدّم من 12 سنة، مؤكدًا أن لا إرادة سياسية بإبرام هذا القانون حيث تقدّم بعدة طرق دون جدوى.
وشدد على أهمية الاعتراف بلبنانية الأشخاص من أصل لبناني مع بقائهم على جنسيتهم في بلد الاغتراب وربط اللبنانيين ببعضهم البعض بين الداخل والخارج.
ثم تطرّق إلى مؤتمر الطاقة الإغترابية الذي تنظمه الوزارة في 21 و 22 الجاري، الذي يضع الهم الاقتصادي من أولوياته ويسعى إلى ربط جيل الشباب مع لبنانيين حققوا نجاحات في الخارج…
وختم كلمته مشددا على ضرورة أن نكون كلنا كلبنانيين صوتًا واحدًا لمواجهة كل المشاكل التي يتعرض لها الوطن.
ثم جرى نقاش مع الطلاب، أكد فيه الوزير باسيل على أن مسؤولية الدولة التواصل مع الشباب ودعمهم وملاقاتهم في أفكارهم وتطلعاتهم، وهذا ما تسعى إليه الوزارة، خصوصًا خلال مؤتمر الطاقة الإغترابية، مشددًا على أهمية التنشئة الوطنية. كما أشار إلى وضع إمكانات الوزارة للتعاون الفعال مع الجامعة إدارة وأكاديميين وطلاب، في موضوع الاغتراب، لأن المصلحة الوطنية تجمعنا، منوّها بالتطور الملحوظ الذي يشهده هذا الصرح التربوي العريق في شتّى الميادين.
.