محطات نيوز – عيد الإستقلال مناسبة طال الكلام عنها وتعددت صورها في الأذهان. ولكني لن آمر بها ساكتة.
كم هو مؤلم وصعب أن تكتب الأقلام عن الإستقلال ونحن لا نملك منه سوى الكلمات والآمال دون الأفعال، كم هو مؤلم أيضاً أن يطلّ علينا كذكرى… والعوائق عظيمة عسيرة.
بدايةً لا بدّ من تعيين مفهوم للإستقلال بشكل عام وشامل، فالإستقلال لا يقتصر فقط على توقيع إتفاقية بين المستعمِر والمستعمَر لإنهاء حالة الوصاية أو الإنتداب بل يتعدّاه إلى إستقلال العقل إذ لا قيمة لتحرير الأرض من المستعمرين (مظاهر الإستعمار) كي يتحقّق الإستقلال إنما يلزم لذلك تحرير العقل بإدراك ووعي الشعب لحقوقه وواجباته، هنا فقط يكون الشعب سيّداً حراًّ ومستقلاًّ، وإن كانت أرضه محتلّة بعكس ما هي عليه الحال في حال حُرّرت الأرض دون العقل هنا يكون الشعب فاقداً للسيادة وفي حالة إستقلال ظاهري وإن كانت الأرض من المقومات الأساسية لقيام الدولة.
فيما مضى كنا نعيش تحت السيطرة العثمانية ثم الإنتداب الفرنسي…رغم مرارة العيش والظّلم آنذاكالاّ أنه يبقى إحتلالاً خارجياً، أخفّ وطأة مما نعيشه منذ عام 1943 وحتى تاريخنا الحالي، فالمحتل اليوم هو من أهل البيت، أمر مخزٍ فعلاً حكومات متتالية لا يهمّها المواطن ومستعدّة لإبقائه رهينة مصالحها الضيّقة.
وبإختصار نحتفل بالذكرى 72 للإستقلال في 22 تشرين الثاني، ونحن واقعون بجملتنا تحت نير الفساد والارهاب، والحقيقة ضائعة بفعل الكذب والإدعاء والانتحال، لم يسلم منها أحد حياً وميتاً…
أيُّ إستقلال هو هذا ولبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم الخمس والثلاثين بعد الخمس مائة…
أيُّ إستقلال هو هذا والعصبيات والنعرات الطائفية، والأوهام بكلام فخم يتبخر ولا تصمد منه فوائد عملية تنفع الوطن والمواطن…
أيُّ إستقلال هو هذا وأبناؤنا مغيبون في السجون السورية، لا من يسأل ولا من يتحرّى ولا من يطالب، مغيّبون إعلامياً وسياسيًّا وحتى وطنيًّا برسم الأموات…
أيُّ إستقلال هو هذا وجسدنا اللبناني من أفراد الجيش حامي الحمى وقوى الأمن الداخلي مخطوفين…
أيُّ إستقلال هو هذا وأيُّ قرار مصيري كي يتّخذ يلزمه إيصاءً أو حتى تهديد إن بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر…
أيُّ إستقلال هو هذا والدين العام بلغ حتى اليوم ما يقارب 70مليار دولار أميركي على قروض لمشاريع خاصّة بمغتصبي السلطة رغم أنه من المعلوم أن من المعايير الأساسية للإستقلال شرط اللّامديونية والإكتفاء الذاتي من المواد الأساسية المتوفرة…
أيُّ إستقلال هو هذا في ظلّ تردي الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية التي تدفع بالمواطن إلى التخلي عن أرضه وبيعها من الأجنبي أياًّ يكن غير آبه بمصيرها، هنا السؤال بماذا يختلف لبنان اليوم عن فلسطين الأمس، فإذا كان الشعب الفلسطيني قد باع أرضه ليتحرّر من الظّلم وها هو يدفع ثمن ذلك فإننا وبإسم الديمقراطية المفرطة القاصرة نقوم بالأمر عينه، وها نحن في طريقنا إلى تحقيق المخطط الممنهج الذي بدأ تنفيذه في فلسطين وإستكمل في تونس وصولاً إلى سوريا ولبنان ولكن في لبنان إختلف الأسلوب ولكن النتيجة واحدة، ناهيك عن الهجرة المتزايدة للشباب اللبناني والفساد المستشري…
أيُّ إستقلال هو هذا ولغتنا العربية اللبنانية في خطر…
أيُّ إستقلال وأيّ سيادة هي هذه وطائرات العدو الصهيوني تخرق الأجواء اللبنانية بطلعاتها اليومية…
أيُّ إستقلال هو هذا في ظّل غياب الحرية الفكرية، لا ضير في الإنفتاح على ثقافة الآخرين التي تعتبر من أولى الخطوات للتحرّر والوعي ولكن إذا بقينا نتصوّر أن كل ما يأتينا من أوروبا وأميركا هو الأصح لن يتحقّق أبداً الإستقلال ولعلّ أكثر الأمثلة دلالة على ذلك هو ال Prestigeاللبناني، فاللبناني لا تهمّه سوى المظاهر من ماركات أوروبية “Lacoste, Louis Vuiton,Dior…”
حدّث ولا حرج فالأمثلة على إنعدام الإستقلال وتحوّله من عيد إلى مجرد ذكرى مؤلمة لا تعدّ ولا تحصى…
ويبقى السؤال إلى متى سيطول ويمتدّ إنتظارنا للإستقلال الفعلي لا الظاهري؟ سؤال يُعلّق الجواب عليه مع كل شمس تشرق..
أخيراً لقد امتد بي شوط الكلام، وكنت إريد أن أنتهي، على أنكم لا شك منتظرون أن تسمعوا شيئاً عن 72 عاماً إنقضت دون أن يتحقّق فيها شيء يذكر، لا شيء من الحق التاريخي عاد إلى أهله وأصحابه، وعودة المفقودين والمخطوفين تبقى أملاً وحلماً في نفوس محبّيهم، وجراح الجسد اللبناني “عرسال” تواصل النزف دون توقّف عاماً بعد عام، ويبقى الخطر على الوجود قائماً طالما يعصف بنا الإرهاب دون أي قرار جدّي وحازم بإستئصاله…
فإستقلال اليوم الذي تحتفون به بات أشبه بعجوز متوهمة أنها ما تزال فتيّة وشابّة تتجمّل ببعض المساحيق رافضة الإعتراف أو حتى التصديق أنّها تشرف على الزوال..
دام لكم لبنانكم ودام لنا لبناننا.