محطات نيوز – وكأن القدر دفع بي اليوم لاكون شاهداً على مصاعب الحياة وتقلبات الزمن وكأن الحالُ أغرب من مشهدٍ لطالما كان يتجددُ كُل يوم في كل زاوية من شوارع تلك المدن الصمّاء التي ذهبت بضجيجها على أصوات هؤلاء المُثتغيثين الذين يجولون الارصفة بحثاً عن فتاتِ خُبزٍ يسدُ جوعهم وعن قطرات ماء تروي ظمأهم.
إنها ليست قصة ارويها أو فيلم كنت قد شاهدته في دور السينما بل انه المشهد الحقيقي الذي صادفته وانا في إحدى شوارع المدينه. عجوزٌ في أواخر عمرها تتعكّزُ على لوحٍ خشبي راح يتفتتُ تحت كفها مع كُلِ خطوةٍ ترتسِمُ على رمالِ هذا الرصيف تاركاً آثارُ أقدامٍ صارت أشبه بورقةٍ ذابلة قضت عليها عواصف الشتاء ولهيب الصيف الحارق. أراها تحمل خيوطاً إلتفت عليها ورد الياسمين و الجاردينيا، سلاسلٌ من تلك الورود تشعُ ببياضها أملاً وحُباً فينحني كلُ من أبصرها ملتقطاً بناظريه جمالها فيذوب عشقاً بعطرها الرائع.
أما تلك العجوز التي أصبحت أشبه بشوك زهرة الربيع فبوجهها الذي تسارع التعبُ ليُنقّشَ منحوتاته على جبينها فيُحول بائعة الياسمين هذه الى صورةٍ بائسة مرسومة بريشةِ الزمن القاصي هذا هو الحال لمرءِ لا يملك إلاّ الشقاء والالم في بلدٍ غيرُ قادرٍ على احتضان ابنائه إن كانوا في مُقتبل العمرِ أو حتى في أرذله. مسكينة تلك العجوز ما زالت تركُضُ وراء رزقاً وإن كان ضئيلاً لتُكمل مسيرها في هذه الحياة حتى آخر رمق.
اكملت القافلة مسارها تاركة خلفها بائعةُ الياسمين، وانتهت ازمة السير وعاد الشارع الى طبيعته.