محطات نيوز – قد تكون كلمات “من كعب الدِّست”، على ما يقال، في وجوهٍ وأحوال تطالعنا يوميًّا، لكن الدست ما عاد يرضى أن نغرف من قعره أو كعبه، لنلقي على أي من أصحاب هذه الوجوه، أو مفتعلي تلك الأحوال، أي شيء. “خلص” قال، لقد بلغ معه الأمر حد “القرف” منهم.
تركت الدست في حاله، ولجأت إلى الفنجان، “هيك هيك” الزمن زمن تبصير وقراءة غيب وتوقعات وتنبؤات… وضحك على عقول بعض البسطاء، وتجارة متلفزة تدر أرباحًا طائلة. ويا لطيف يا ألله، لم يترك لك بعض عبيدك دورًا، صادروه منك.
قال لي “البخت” حين سألته مرة عن سبب تنامي الإرهاب في العالم، وظهور حركات تمتهنه، باسم الله: فتش عن كبار يلعبون بمصائر الشعوب ليؤمنوا مصالحهم، ولو بالدم، فيخترعون وحوشًا تنقلب عليهم. وطلع عليَّ ببيتي معنَّى، من كعب الفنجان:
كانو مِتِلْ عَمْ يِلْعَبو، خَلْقو وَحِشْ
رَبّوه، طَعْموه وْشِبِعْ… حَتّى قِوي
عَرْبَدْ بِلَيْل الدَّمّ… عَ سِكْر وْفِحِشْ
وِبْدَمُّن الْأَسْوَدْ عَطَشْ قَلْبو رِوي.
آلمني ما سمعت. قلت في نفسي: هوِّن عليك، واسأل “البخت” عمن يظن نفسه، من أصحاب الشأن، “غير شكل” عن بني جنسه، فيما كثر يلعنون جنسه صبح مساء. جعل الفنجان من تفله شاعرًا قال في وصف “أخينا محبوب جماهير نفسه”:
يا الْغَيْرْ شِكِلْ شَكْلَكْ
يا الْما حَدا مِتْلَكْ
إِلّا الْمِسِخْ…
مِنْ يَوْم ما عْمِلْت السِّياسي مْرايتَكْ
بِطَّلْت وَحْدَكْ غَيْرْ شِكِلْ،
صارو الدّيوك يْسابقو
عَ الْمَزْبَلي بَعْضُنْ
ولَحِّقْ عَ نَسِخْ.
رفضتُ أن أحتفظ بنسخة. سألت “البخت” ع صنف سياسيين آخر يعرفه، لعلني أحظى بنموذج منه، فجاءني بمسطرتين: حديث نعمة لا يتطاول إلا على الرموز والأنقياء والشرفاء، يصرخ حتى تتملك صوته البحة، و”رجل دولة” شُبِّه له ذلك، فيما هو رجل كرسي لا أكثر.
قال البخت في المسطرة الأولى هذه الخماسية:
يِبْقى خْيال، وْفَرْحتو قَدّو
إِنّو خْيالَكْ وَيْن ما بِتْروحْ…
وِالْمال لِمِّنْ عَ الزِّلِمْ عَدّو
فلَّتْ لسانو بْحَقَّك وْمَدّو:
شو حْمار… عَمْ بيشَهْنِق وْمَبْحوحْ.
وقال في المسطرة الثانية:
كِلْما زَكَرتو… بْيِحْضَر الْكِزَّابْ
أَزْعَرْ، وِقِحْ، نَفْسِيّتو دَنْبِةْ كَلِبْ
بيفوت مِنْ باب، بْيِجي مِنْ باب
رِجّال دَوْلي – قال – بيضَيِّف كِزِبْ!!!
كأني بـ”البخت” يكره هذا الصنف من السياسيين، وخشيت أن يتأثر بالدست، فلا يعود يشيل من كعبه ليصف ويوصِّف “صفتك نعتك”، فكيف نفش خلقنا، ساعتذاك؟ استدركت وسألته: إلامَ يسود سلطان الظلام؟ طارت به الحماسة، وضج العنفوان… وتوجه إلى الجارة علَّ الكنَّة تسمع:
هِنّي بيحبّو الْعَتْم شو بَدَّكْ فِيُنْ،
عَتْمُنْ مِتِلْ صَحْرا، رَمِلْ خَلَّف جْمالْ،
نورَكْ يا حَقّ الْحَقّ بَدّو يِعْمِيُنْ،
ما تِنْطُر الْمَوْقَفْ مِن خْيال الْخيالْ.
لن أنتظر، أعدك… قلت له. وحاولت ترطيب الجو، بسؤال: هل يقتصر سواد الصورة على السياسة؟ قاطعني: أواه ثم أواه… كانت لنا لعبة رياضية رفعت اسم لبنان في محافل دولية وإقليمية، هي كرة السلة. فطارت الكرة ولم تعد، قذفها إلى البعيد مخربون، “خرجهم” هذان البيتان، و”يا عيب الشوم”:
“سَلّي”… تعلَّقْنا بِهَـ السَّلّي
وِنْفوسنا تِبْقى هَنِيّي وْراضيي
وْلِمِّنْ قرِبْنا نِحْصُد الْغَلّي
طِلْعِتْ السلّي مِتْل روسُنْ فاضيي…
حزنت لأمر “البخت”… “طرَّيتُها” معه قليلًا، لأسأله عن كعب فنجاني، وماذا يقرأ فيه، قال:
“الْكَعْب” عالي… وْلابسي فِستانْ
عَ قامِتا بيخَيّلو، بْأَحْلامُن، الْفِرْسانْ.
وِ”الْكَعْب” غارِزْ بِالْأَرِضْ خيفانْ
توقَعْ السَّجْرا،
وْيِنْكِسِرْ ضَهْر الْزَرَعْ قَلْبو مَعا،
وِالشّاهِد جْبينو وْهو عِرْقانْ…
وِ”الْكَعْب”… راس وْ”كَعْب”
بينام الْحَبِسْ
وِبْيِضْحَك السِّجّانْ،
وِ”الْكَعْب” جورا عَبِّيا سْياسي… وْشو ما كانْ…
وِ”الْكَعْب” تِفْل… وْشوف يا إِنْسانْ
مِنْ بَعْد مُرّ الْعِمْر وِالْقَهْوي
شو رَحْ بيقِلَّك،
وْإِنْت اللي سارِحْ بِالْفِكِرْ،
“كَعْب” السّيجارا بْتِمَّك،
وْعَمْ تِنْفُخ وْتِنْفُخْ هموم
وْعابِق الدِّخّانْ،
شو رَحْ بيقِلَّكْ “كَعْب” هَـ الْفِنْجانْ.
يا “كَعْب” مِنْ “كَعْب” الدِّسِتْ
شِفْلي… صِرِتْ تِفْل
وْعَ بالي إِرْجَع،
وْلَنّو لَلَحْظا،
بِالْبِقيلي مْن الْعِمِرْ إِنْسانْ.
بِضْمُرْ، إِزا في وَقْت بَعْد،
بْـ”كَعْب” هَـ الْفِنْجانْ؟
سكت “البخت” عن الكلام المباح، احترامًا منه لما آلت إليه حال الإنسان، في سيرة “الكعاب” هذه. وعدته، حين أفقت من صدمتي، بأن أجمع ما قاله في ديوان عنوانه “وْلاد الْغَصِبْ عَنُّنْ”، لعله يكون قرشي الأبيض الجديد، بعدما نفدت قروشي البيض، وطالت أيام الزمن الأسود. استأذنته وقلت:
يا قِرْش أَبْيَضْ
بَيْتَك الْآمِنْ مَعي
وْعِمْرَكْ قَصير…
وْوَيْن ما بِتْكونْ – قالْ – مَحْسودْ.
شو بْتِعْمُل وْشو بِعْمُل
نْ طالِتْ كتير وْتَقَّلِتْ
إِيّام مِنْ راسا لْكَعِبْ… كَعْب جْرَيَا
قِفِّةْ وَساخا… وْسودْ؟
يِرْحَمْ ترابُنْ… وَرَّتوني كْتاب وِجْبين وْقَلَمْ
ما وَرَّتوني مِكْنسي وْمَجْرودْ!!!
شكرًا لكما، أبي وأمِّي… أمس كان تذكار الموتى…