محطات نيوز – يأتيها بعد يوم عمل طويل مرهقاً تعباً غير مبالٍ بإرهاقها وتعبها بعد إمضائها اليوم بكامله سجينة منزله مع أولاد صعب إرضائهم . أولاد زاد في إرضائهم ودلالهم مع سابق تصميم وتصوّر منه أنّه بذلك يجلبهم إليه ويكسبهم إلى جانبه ويجعلهم متعلّقين به لا يرغبون إلّا برغباته ولا يبغون إلّا إرضائه … أولاد أراد استمالتهم بشتّى الطّرق ظنّاً منه أنّه بذلك يسكنهم طاعته … لا يهّمه ما لا يراه من عذاب يمارسه أولاده على زوجته. وإن صدفة شعر بأعباء الدّنيا على كاهل المرأة الّتي تزوّج أشاح بنظره واعتبره واجبها الإجتماعيّ الطّبيعيّ الّذي خلقت من أجله : تربية الأطفال واجبها. لا مفرّ من ذلك وإنّه لمتعة الأمّهات لكن ما ليس واجباً مطلقاً هو احتمال أولاد رجل تزوّجته عن حبّ واحترام لتجد فيه أنانيّة وطماعيّة مفرطة. وقد عمل على نقل تلك الطّباع إلى أولاده لا بل ومرّسهم عليها فيضمن بغيابه ضنى زوجته وشقائها …
يراها لا بل يشاهدها ويتمتّع بمراقبتها تعمل ولا نهاية لعملها بين ارضائه وتلبية طلباته وإرضاء ابنائها فلذات كبدها وتلبية طلباتهم وبين أعمال المنزل الّتي لا تنتهي بوجود ناشطين مستمري الحركة فيه وتذمر أفراد العائلة من تقصير صغير في حال حدث؛ زوجة وأمّ همّشتها الحياة وجعلت منها أداة تحرّكها مشيئة زوج متنمّر ورغبة أبناءٍ لا حدود لرغباتهم …
وعدت نفسها بحياة زوجيّة سعيدة إلى جانب رجل اختارته رفيق دربها بكلّ الخوف والحبّ الّلذين يمتلكان حواسّها أو بالأحرى تملّكا بحواسها سابقاً يوم قرّرت أن لا نبض لقلبها بدون حبيب القلب ولا نفس بدون روح الرّوح ولا جسد يشتعل بدون لمسات شوق واحتراق نظراته رغبة.
واليوم وبعد مرور الأعوام الطّوال أين هي من تلك الوعود وأين هو من حبّها ومنها؛ هو في دنيا ليست بدنياها وحياته ليست بحياتها وهي لا قول لها ولا قوة غير قوّة إيمانها ورجائها وصبرًا. أرساها المولى ميناءه إلى حين عاصفة هوجاء هزت مركبها ورياح عاتية دفعتها في اتجاه مغاير ومياه متقلّبة تعلو لتنخفض ولا تكفّ تعلو أكثر فأكثر ليكون الانخفاض إنحداراً ثمّ وقوعاً. أمّا وصبراً وثيقة بالرّضى يلتقط من يسقط يمسح عيناً تدمع ويداوي قلباً يتألم ويلحم روحاً تتمزّق …
وتقف عقارب الزّمن عند أقدام أمّ خانها الحظّ وتناثرت أمام ناظريها العهود وأسدلت ستارة حياتها على إعلان بدايتها. وما أتتها المآسي إلّا من قلبه القاسي وعقله الرّاسي على انهاكها حتى لا يتسنّى لها الوقت لأيّ فكر أو عمل أو رغبة غير دار أنّ فكرها معه وأولادها؛ وحلمها له وأولادها؛ ورغبتها سعادته وسعادة أولادها غير مدرك أنّها جعلت من نجاحهم نجاحها ومن نبضهم نبضها ومن عيشهم عيشها …
أرادها زوجة قنوع وأمّاً متفانية جنّدها خادمة على مدار السّاعة، معلّمة بدون راتب ولا حتّى كلمة شكر ، طبيبة مداوية ليلاً نهاراً، اخصائيّة غذائيّة،عالمة نفسيّة ، محلّلة إجتماعيّة، مهرّج معتمد … أرادها ماركة مسجّلة مدى العمر غصباً وما فطنوا أنّها أرادتهم أمام عينيها يكبرون فيكبر بهم قلبها! أرادتهم من لمسة يدها أشدّاء فتشتدّ بهم عظمتها! أرادتهم من حنانها يرتوون فيرتوي بهم حلقها! أرادتهم من روحها يستقون فيزداد بهم إيمانها! أرادتهم وأرادتهم وأرادتهم وما علموا أنّ إرادتها قوّة تبعث فيها الحياة! وما أدركوا أنّ قوّة إرادتها حوّلت سجنها العائليّ وأدوات التّعذيب فيه إلى غاية عليا وأولويّة لا مفر منها وجعلت من انطلاقهم في الحياة إنطلاقاً وانتشاراً لها وذلك الصّمت الّذي أرادوه خضوعاً وتسليمًا هو السّلاح القتّال الّذي جعل منهم رجالا! حملته في وجههم أمّ حرصت على لملمة عائلتها رغم الضّوضاء والجلبة الّتي يحدثها أفرادها. حرصت على انطلاقة أولادها رجالاً رغم ما تقصدّوه بها … عوّدهم زوجها عادته وقسوته ولامبالاته فحرصت على تحويلها طاقة إيجابيّة! عوّدهم زوجها عادته وقسوته ولامبالاته صدّرتهم للحياة رجالاً شجّع وعند أقدامها أبناءً أوفياء …