محطات نيوز – كل عام نتمنى أن يكون المقبل أفضل من الذي سبق، ولكن ما نيل المطالب بالتمني. العام المقصود يقاس هنا وفق التقويم الميلادي الغريغوري، إذا سمحت لنا “داعش” وأخواتها في الدم والسحل وقطع الرؤوس وأكل الأكباد… بذلك.
يحل العام الجديد ونسترجع أحداث العام المولّي، فإذا بها دون التمنيات، وإذا بنا “ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل”.
لن أسرد أحداثًا، ولن أتمنى شيئًا، سوى بضعة انطباعات كونتها عن العام 2013، علنا نعتبر منها، فنصلح ما أفسده رَكْبُنا رؤوسَنا، ربما لأن “جحش” الدولة، أي الأوتوبوس، أو لِنَقُل النقل العام، ليس شغالًا.
– ما زلنا، معظمنا، غرائزيين، نتفاعل مع الأحداث والأشياء بعاطفة وعمًى وطرش وخرس، من دون أن نكلف أنفسنا حتى حك دماغنا لنستحضر المنطق في الحكم على مسار الأمور. فالعقل هو ميزة الإنسان بين كل المخلوقات، ولكن عندما يتحول العقل غريزة، يمسي من يحمله حيوانًا لا إنسانًا… أللهم إني شهدت وبلغت. كان ويبقى العقل زينة، فاقتضى التوضيح.
– كثر لم يعرفوا بعد أنهم ولدوا، من أرحام أمهاتهم، أحرارًا… فتراهم يقيسون حجم الحرية بوطأة الجزمات الضاغطة على رقابهم. إذا ارتفعت قليلًا عنها، تكلموا، ولو حذرين، وإذا ضغطت أكثر، بلعوا ألسنتهم، ولو اختنقوا. فكيف لنا أن نبني وطنًا مع عبيد من مثل هؤلاء؟
– أمضينا عامًا كاملًا من دون حكومة، ولا مجلس نيابي، وبلا إدارة رسمية تفرغ مناصبها من شاغليها شيئًا فشيئًا، وما زلنا على قيد الحياة، صحتنا جيدة – دقوا على الخشب – وبطننا ملآن وكيفنا تمام. كثر بيننا استمرأوا هذه الحال، بلا همٍّ أو غمٍّ أو تفكير أو سؤال أو انشغال. عال العال. لكن زمن القيامة قريب… فلنستمر على هذه الحال، ما دام لا مسؤول في موقعه الصحيح، ولا أحد منهم يعنيه دوره، ومن أراد منهم أن يخطو خطوة في اتجاه ما، فإنما دعسته ناقصة، وخوفي عليه من التواء في كاحل، أو تشنج في عضل، أو انقباض في معدة، أو إحساس بـ”نقزة” و”وهلة” قد تعوقانه عن القيام بواجبه الوطني المقدس حيال شعبه الحبيب، وتدخلانه في سويداء، أو رهاب ذهني ونفسي، فلا يعود قادرًا على اجتراح معجزات لأزماتنا المستعصية… ومن قال إننا نريد لها حلولًا فحسب؟ نريد معجزات، يا بني أمي وأمتي، ولا شيء غيرها، يقترفها هؤلاء المسؤولون الذين ابتلينا بهم، ليس إلَّا. وبما أننا قد ننسج على هذا المنوال طويلًا – لا سمح الله – أدعو أن نستقرض، بالمراسيم الجوالة، قانونًا لضمان الشيخوخة، يؤبد المذكورين أعلاه، على كراسيهم، ويعطينا، نحن المميزين على وجه الأرض، أن نبقى نعرف من أين تؤكل الكتف. وألف صحتين على قلوبنا.
– من يراقبنا عن كثب، يدرك جيدًا أننا قوم التشفي. نتشفى بعدونا والصديق، بالمقدار نفسه. يلطى بعضنا للبعض الآخر على الكوع، ولو كلفنا الأمر أن نشرب من أكواعنا وأبواعنا التي لا نعرف أن نميز بينها، دمًا ودموعًا. نخوِّن، نشكك، نلغي، نتمترس خلف أحكامنا المسبقة، نكرر الأخطاء نفسها، فلا حرمة لدى كثر منا لخطب جلل أو لإنسان، ولا قضية واحدة تجمعنا، ولا “عيب” في قاموسنا، أو “حرام”…
– نحن قوم تنادي الفتنة معظمنا إلى جعلها على كل شفة ولسان، وفي كل حي ودسكرة وزاروب ومبنى وطبقة وحتى غرفة في منزل… فلا مجال لكلمة سواء بيننا. والعدة جاهزة: جريمة مثلًا، فأثير مفتوح للوجوه نفسها، هذا يحلل وذاك يدافع وذلك “يهدى” صفيحة بنزين لـ”يطفئ” نارًا متأججة، فاتهام، فتسريبات، فضرب لكل منطق، فتشنج، فشهيد يسقط ليحيا لبنان، فإذا به سلعة في بازار مفتوح، كما سوق الأحد أو سوق الجمعة (6 و6 مكرر)… يُقتل مرتين، ولا من يستحي أو يحترم دمًا، بل يحيا “شلش الحياء” الذي “طق”، وخيل إلى الناس أن انفجارًا جديدًا وقع في مدينة القيم والأخلاق.
– نتمنى، ووسط كل تمنٍّ خنجر للطعن، لا سيف للمواجهة. فقوم الغدر مستنفرون، وحذار أن يعكر صفو حقدهم أحد.
وداعًا عام 2013، وأهلًا وسهلًا بك عام 2014، على الرحب والسعة في وطن الـ10452 كيلومترًا مربعًا من الغزائز المفتوحة الشهوة على التهام العقل وقتل المنطق وسحق الحكمة…
ودعتك يا عام النحس، ولن أستقبل العام المقبل… لكن صوت فيروز الذي كان يصدح في أعماقي: أومن أن خلف الليل العاتي الأمواج، يعلو سراج… صرخ بي: يا قليل الإيمان.