محطات نيوز – هم ثلاثة… والرابع أتمناه على طريقهم. الطَّريق التي تجعلنا نحسب أننا قبضنا على السماء بأعيننا وقلوبنا وأيدينا، كلما رأيناهم أو أتينا على ذكرهم أو صافحنا أفعالهم.
هم أيقونات ثلاث… والرابع آمل أن يعلقه تاريخنا على صدره. ارتقوا كل في مسيرته إلى مستوى القداسة، ولو لم يُطوَّبوا، وقد غابوا في بحر الأسبوع الماضي، إما في رحلة أبدية إلى حضن الآب، وإما إلى جلجلة العذاب، على أمل القيامة. وسأسميهم: قديس الحرية نيلسن مانديلا. وقديس الشعر أحمد فؤاد نجم. وقديسات الجلجلة الجديدة راهبات معلولا المختطفات، وجميعهن واحدة. ورئيس جمهوريتنا العتيد الذي لا أجد خلاصًا للبنان إذا لم يتمتع بثلاث صفات: بطل وعالم وقديس.
حسب الأيقونة أن تكون على ما وصفها القديس يوحنا الدمشقي. قال: “لا يمكن رسم الله الذي لا يُدرَك، وغير المحدود. أما الآن وقد ظهر الله بالجسد وعاش بين البشر، فأنا أرسم الله الذي تراه العين. أنا لا أعبد المادة بل خالق المادة الذي تحول مادة من أجلي”.
وعليه، فقد تحول الثلاثة هؤلاء أيقونات، كل في نضاله ومسيرته، والعقبى للرابع.
نيلسون مانديلا المناضل المسالم، السجين من أجل الحرية ورفضًا لنظام الفصل العنصري، فبات الرمز الذي ما اختلف اثنان على عظمة دوره في تحرر الإنسان من العبودية. فيه أقول:
وِقْعِتْ القوني
طِلْعِت الدَّمْعا
عَ عَيْن الْبالْ…
بِالْبال في “نِلْسُنْ”
كتاب رْجالْ…
بَوَّس الدَّمْعا بْبَسْمتو
حَسِّتْ علَيْه مْدَمَّع
وْقَلْبو عْلَيا.
قَلَّا: صِلِحْ… صِرْنا صِلِحْ.
رَدِّتْ، ووِجّو شَمْس
بِتْوَعّي الصِّبِحْ:
أَلله مَعَكْ،
باقي نِدي بِقْلُوبنا…
كْبار الْمِتِلْ دَمْع الرّجال
بْهَـ الدِّني… وِقْلالْ!!!
وَحْدا الحِرِّيّي ما بِكْيِتْ، هَلَّلِتْ:
زادو جَبَل… روس الْجبالْ.
أحمد فؤاد نجم، توأم الشيخ إمام، بالأغنية الملتزمة، شاعر الكلمة الشعبية البسيطة الطالعة من زقازيق القاهرة التي أخافت عروشًا وكراسي، والعميقة الهادفة، فلم يثنه السجن عن شهرها سلاحًا في وجه حكام وأصنام وأكاذيب ومحرمات، حتى لُقِّب بـ”الفاجومي”. عاش حياته في بساطة، وكما يحلو له، وعلى مزاجه وكيفه، فاستحق كرسي القيادة والريادة، من رتبة شاعر. وفيه أقول:
كِلْ شي حِمِلْ هَـ النّيل
شِعْر وْمَيّ
ما قال مَرّا لَمَصِرْ:
مِنْ نَوْمتِكْ قومي.
ماشي بْهَدا
وِمْغَيِّبا مْن زْمان حَيّ وْحَيّ…
كانِتْ توعالو وْتِسْأَلو
وْعَ خاطرو توقافْ…
ما بْيَوْم كَنّ وْخافْ،
وِجّو مرايي لِلسَّما
وِالْقَلْب عَ دَرْب الْخَطَرْ
وِالصَّوْت “فاجومي”…
مْبارِحْ وِعي قَبْل الْوَقِتْ
وِعْيِتْ مَعو وْقَلّا بْحِزِنْ:
تِقْل الْحِمِلْ…
شيلي مَعي هْمومي
حاسِسْ مِتِلْ غَصّا بِزَلْعومي…
أما راهبات معلولا الاثنتا عشرة اللواتي خَطَفَتْهُنَّ من ديرهن، من أرض قداسة، زمرة جهلة حاقدين يرفضون الاعتراف بغيرهم، ويريدون جعل الناس على صورتهم ومثالهم – أعوذ بالله من الشيطان الرجيم كلما رأينا لهم صورة، أو أتوا بفعل أو بِقَوْلة -. وأي مصادفة أن يكون الغزو الأول لقريتهم الوادعة بين جبل وسماء، قد تم عشية عيد الصليب، وأن يتزامن الغزو الثاني مع عيد الشهيدة بربارة؟ ربما ليتأكد لنا أكثر أنهن سرن على خطى تلك القديسة، ومهما تبدلت وجوه أو قست ظروف، سيبقى المسيح نابضًا في قلب كل منهن. وفيهن أقول:
يا مِتْل صَدْر الْأِمّ
ما ضَيَّفْ حَليبْ،
يا مِتْل شِحّاد بْأَرِضْ
ما رَبِّتو تَ يْكون
عَ دْروبا غَريبْ،
يا مِتْل سِرْب طْيور
بِعالي سَما
وْصالي عَ فَلْش جْوانِحُنْ
شي أَلْف ديبْ،
يا مِتْل ناطِرْ حَدّ عِلَّيْقا
يجِمّ الشَّوْك باقات،
وْبِبالو الشَّوْك طيبْ…
مِشْ غَيْر هَيْك الرَّاهبي
الْمَصْلوب بِصَوْتا الْحَكي…
وْما في بِإيدا مَحْبَسا
وْلا مَسْبَحا،
وْلا عاقدي الزِّنّار عَ خَصْرا
وْفي شَوْك بْطَرْحِتا
الْكِلْ يَوْم بِتْزِفّا
لَيَسوعا الْحَبيبْ،
ولا في عَ صَدْرا قونِتا
وْلا في صَليبْ…
يبقى الاسم الرابع المجهول حتى الآن والذي نريده أيقونة للبنان… رئيسه العتيد. وما دام العرف يقضي، حتى إشعار آخر، بأن يكون مارونيًّا، وما دام منشأ المذهب الماروني بلدة كفرحي البترونية، على يد البطريرك الأول يوحنا مارون، فليكن على صورة المارونية بمعانيها الدينية والإنسانية والأخلاقية، وعلى مثال المقر البطريركي الأول، متقشفًا، روحانيًّا، قاهر صعاب، شاهدًّا للحق، قائدًا لشعبه لا عالة عليه، فيأتي بمن مثله إلى السلطة. وليسمح لي بأن أدله إلى تلك الطريق الصعبة، وكفرحي على مرمى حجر يمكنه زيارتها واستلهام روحها ومناخها:
الِمْوارني تَقْوى ومَعْدور وْقَلَمْ،
وِالْجِرْد شاهِدْ حَيّ… بِكْفَرْحَيّ
حَتّى الصَّخِرْ بِزْنودُن السِّمْر نْتَلَمْ
ما تَعَّبُنْ طالو السَّما خَشْبي وْعَلَمْ
رَبّي الْكِنِتْ لَجْبينُنْ الْعالي مَسيح الْفَيّ
يا رَيْت عِلَّيْت السَّما شي شْوَيّ.
أيقونتان نترحم عليهما. وأيقونة نستصرخ، من أجل فك أسرها، ضمير العالم ورحمته، وأيقونة نضرع إلى الله أن تكون رحمة للبنان ولشعبه، وسماء عالية أكثر، بعد طول نقمة وعذابات جهنمية، قبل أوانها، على الأرض.