محطات نيوز – أحيت عائلة الوزير والنائب السابق ايلي حبيقة، الذكرى الثانية عشرة لاستشهاده ورفاقه فارس سويدان وديمتري عجرم ووليد الزين، في قداس أقيم عند الثالثة والنصف من بعد ظهر اليوم في كنيسة مارت تقلا في الحازمية، ترأسه راعي أبرشية بيروت للموارنة المطران بولس مطر وعاونه لفيف من الكهنة.
حضر القداس، الى نجل الراحل جو حبيقة، نواب بعبدا: حكمت ديب، آلان عون وناجي غاريوس، طوني فرنجية ممثلا والده النائب سليمان فرنجية، مارلين حردان ممثلة زوجها النائب أسعد حردان، الوزير السابق كريم بقرادوني، حنا العتيق، ورؤساء بلديات وهيئات اختيارية من بيروت وبعبدا وعالية وممثلون عن أحزاب من قوى الثامن من آذار وشخصيات عسكرية واجتماعية.
العظة
وألقى مطر عظة جاء فيها: “في الذكرى الثانية عشرة لمأساة استشهاد الوزير إيلي حبيقة ورفاقه نجتمع لنقيم الصلاة لراحة أنفسهم، طالبين لهم الرحمة وللبناننا العزيز أن تتوقف فيه آلة القتل المجرم، وأن ينجو أبناؤه من الإرهاب الذي يدفع الإنسانية إلى غياهب التخلف ومضارب الجهل. ولا يسعنا في هذه المناسبة إلا أن نذكر بالأسى واللوعة كل الشهداء الأبرياء الذين سقطوا في الآونة الأخيرة وما زالوا يسقطون على مساحة الأرض اللبنانية كلها، في طرابلس وبيروت وصيدا وعرسال والهرمل وحارة حريك وسواها من مدننا وقرانا الحبيبة.
وما يزيدنا غما في هذا الزمن الرديء أن لغة القتل الهمجي قد انتشرت في معظم بلدان الشرق الأوسط من حولنا وطاولت فيها أبناء من الدين الواحد والوطن الواحد. وقد راح التقاتل يزعزع ما كان فيها من أنظمة ودساتير ويعطل تراثا من نور كان قد تجمع لديها على مدى أجيال وقرون.
وإن نظرنا في جريمة اغتيال الوزير حبيقة، فإن مرافقي الأحداث في بلادنا يرون فيها أول انتكاسة لما توصل إليه اللبنانيون من تفاهم وتقارب تم لهم عبر اتفاق الطائف.
ومن المعروف أن الوزير إيلي حبيقة قد ربي أولا في أجواء الحرب اللبنانية. وقد سجلت فعلا محاولته الخروج من دوامة الحرب اللبنانية ما استطاع إلى ذلك سبيلا ودفع البلاد نحو سلام رغب فيه. فإذا بموجة الاغتيالات تعود من جديد، حاملة الإشارة إلى أن المصالحة التي تحدثنا عنها في الطائف لم تكن مصالحة حقيقية شاملة.
في منطقتنا المتعثرة، فإن دوامة العنف التي ظهرت من جديد مع جريمة اغتيال الوزير حبيقة في لبنان، راحت تعلو على أي منطق آخر في دول شقيقة كلها دول أصيلة بأهلها وواعدة بقيم كانت محسوبة عليهم منذ قرون. لكن هذه الأصالة راحت تضيع وتتلاشى بفعل استبدال الانتماء الوطني الموحد بالتفسخ المذهبي غير المسبوق، وسط ضربه التعصب والمنحى المتطرف للفكر الديني. فهل نعجب بعد ذلك من سد الآفاق أمامنا في كل هذه المنطقة عن بوادر السلام وعن العودة إلى الرشد والعقلانية البناءة؟ لكن الأدهى في الأمر أننا إذا بقينا على هذه الحال فإننا لن نخسر شهداءنا وضحايانا مرة واحدة بغيابهم القسري عنا، بل سنخسرهم مرتين إن لم نحول استشهادهم إلى قوة تغيير وإلى رجاء بغد أفضل يتأتى من سلوك منحى جديد يبنى على المصالحة والغفران ويؤسس للعودة إلى وحدة المؤمنين بالله والى اعتبار الآخر صورة لنا وشريكا في الإنسانية المغسولة بدم الشهادة.
إننا إذن في لبنان وسائر المشرق، أمام الخيار بين حضارتين متناقضتين، بين حضارة العنف والموت وحضارة الحياة والنضال في سبيلها. ومن غير المقبول أن نقع في الخيار الخاطئ. وليكن الإقرار بأن اغتيال الوزير إيلي حبيقة كان إشارة إلى الجنوح نحو الخيار الخاطئ، وهذا ما راحت البلاد تدفع ثمنه حتى اليوم. فمتى نعود إلى الخيار الصائب، فيبرز على صعيد المنطقة كلها قرار بوقف النار والتخلي عن العنف السياسي، ويفسح في المجال أمام التعامل البشري على أساس الحوار وحل النزاعات بالوسائل السلمية دون سواها؟ لقد اتخذت البشرية قرارا واعدا بعد الحرب العالمية الثانية بخلق منظمة الأمم المتحدة وتطويرها، دون أن تنجح كليا في تثبيت مقاصدها. لكن المحاولة تبقى مرغوبة لا بل كثيرة الإلحاح. وهل من بطولة أشرف من هذه البطولة التي تحول الجميع إلى غالبين؟ وعلى هذه الصورة أراد إيلي حبيقة أن يتخطى الماضي وعمل بعد ذاك في حقل التقديمات للناس كما رغب في الخدمة الاجتماعية لبني قومه قبل أن يخطفه خيار الموت والنزعة الإلغائية التي تعود لا محالة وترتد على مطلقيها.
لقد قال قداسة البابا فرنسيس في رسالته الأخيرة عن السلام العالمي إن الاعتراف بالأخوة الشاملة بين الناس هو بداية طريق يؤدي إلى الخلاص وإلى فتح باب التضامن الحقيقي في جو من العدل في التعامل ومن الاحترام المتبادل. يبقى أن الأخطاء اليومية يوضع لها علاج في المحاكم ودور العدل. فهل كتب على بلداننا أن تبقى في هذا المجال في مؤخرة الركب البشري، وأن تضيع أزمانها من دون أن تصاغ لها دساتير لائقة بها ودون أن يتعطل ما كان منها متقدما ومقبولا؟ وهل لنا من أجل تحاشي قيام محاكم أجنبية تعنى بالعدالة، غير تفعيل العدالة الوطنية الغارقة بالتقصير الفاضح في كشف مرتكبي جرائم القتل والاغتيال منذ عقود وفي طمأنة النفوس البريئة إلى حفظ حقوقها؟
إننا نعزي أهل الوزير إيلي حبيقة ورفاقه بتعزيات الإيمان والرجاء، وما من شك في أن ذويه يشكرون من صميم قلوبهم أنصاره ومحازبيه وجميع الذين بقوا مقيمين على ولاء المحبة له في كل هذه السنوات، الحاضرين منهم في هذا القداس والغائبين. فهم بمحبتهم يعلون قيم الوفاء التي بفضل مثيلاتها تختم الأحزان وتعود للدنيا بهجة الحياة. آمين”.
وبعد القداس تقبلت أرملة الشهيد جينا حبيقة وابنه جو وعائلات رفاقه الشهداء التعازي من المشاركين.